آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

من أعلام الأحساء المغمورين: الشيخ عبد الله بن أبي دندن المبرزي الأحسائي أستاذ الشيخ أحمد بن زين الدين‎

محمد علي الحرز

الشيخ عبد الله بن محمد بن أبي دندن من الشخصيات العلمية الأحسائية الذين اتسمت حياتهم بالنشاط العلمي الكبير، فقد نشأ في وسط علمي في أحضان أسرته، ثم هاجر إلى مدينة كربلاء المقدسة وفيها أخذ على يد أساطين العلم كالشيخ حسن الدمستاني البحراني، وغيره، ليعود بعدها لموطنه الأحساء فيمارس دوره الديني كصاحب مدرسة علمية تتلمذ فيها عشرات الطلبة منهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أوائل حياته العلمية، وقام بالعديد من الأدوار الاجتماعية الكبيرة من تصديق عقود إلى التوجيه والإرشاد، بل وحتى تشجيع الكتابة والتصنيف، إلا أن الظروف أجبرته أواخر حياته للعودة إلى كربلاء المقدسة ويسكن في أحدى الضواحي المحيطة بها ويمارس دور العالم والمربي إلى أن جاور ربه فيها خلال العقود الأولى من القرن الثالث عشر الهجري.

ورغم كل ذلك فإنه من الشخصيات العلمية المغمورة التي لم تتطرق لسيرته كتب التراجم العلمية - غير المحلية - التي تتناول أعلام الطائفة حاله حال الكثير من أعلامنا البارزين، ومع تقادم الزمن أصبح البحث عن سيرتهم كالبحث عن إبرة في كومة قش، ولكن حاولنا أن نجمع ما استطعنا من شتات علنا نوفيه حقه، ونجد المتصدي للغور بالبحث عن جوانب هذه الشخصية العلمية.

اسمه ونسبه:

الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن الشيخ حسين «حسن» بن الشيخ عبد الله الدندن المبرزي الأحسائي، ولد بمدينة المبرز في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، من أجلاء العلماء في عصره وصاحب مدرسة علمية.

مدينة المبرز:

تقع هذه المدينة شمال مدينة الأحساء، ومن مكانها انتزعت اسمها يقول الشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر: >أن تسمية المبرز أتت من بروز أهل الأحساء إليها قبل انطلاقهم للحج<، ويعود تاريخ هذه المدينة العريقة بالعلم والعلماء إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وقد زخرت مدينة المبرز بعدد كبير من الأسر العلمية والدينية من أبرزها أسرة السادة آل السلمان، آل خليفة، آل الصائغ، وغيرهم، وكان من أبرز هذه الأسر المتسلسلة، وأقدمها وأكثرها عراقة عائلة آل أبي الدندن.

أصل الأسرة:

في نسب الأسرة وأصولها القبلية هناك أكثر من رأي نتيجة لتقادم العائلة، وضياع معظم الوثائق القديمة التي قد تخدم في هكذا أمور:

فأبناء الأسرة «الدندن» يميلون بحسب نقل كبار السن لديهم إلى رجوعهم القبلي إلى مكة المكرمة إلى أحد قبائل قريش العربية.

وهناك رأي آخر قد يرد أنهم ينتسبون إلى قبيلة بني خالد الأحسائية من عشيرة المطر أحد أفخاذ قبيلة بني خالد، ويتفرع عن هذه العشيرة ثلاثة فروع رئيسية، هي: «الدندني - الشمردل - آل غطيغط»، فمن المحتمل أن أصل الكلمة «الدندني»، ثم حرفت إلى «أل أبي دندن»، ثم أصبحت اليوم تعرف ب «الدندن».

إلا أنها تبقى مجرد احتمالات لا يعضد أيٍ منها الدليل العلمي الذي يمكن القطع به، والبناء عليه، والعلم عند الله.

أساتذته وشيوخه:

المعروف عدد قليل من شيوخه وأساتذته، نتيجة عدم ذكره ضمن كتب التراجم القديمة والمعاصرة له، ولم يبقى إلا الفتات البسيط عن مراحل خطواته العلمية في الأحساء وكربلاء:

- الشيخ محمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله الدندن المبرزي الأحسائي «من أعلام القرن الثاني عشر»، وقد أخذ عليه المقدمات في الأحساء، قبيل هجرته إلى العراق لإكمال الدرس.

- الشيخ حسن بن محمد بن علي الدمستاني البحراني «ت 1191 ه».

فقد نسخ كتاب أستاذه: > انتخاب الجيد من تنبيهات السيد<، وذلك إثناء دراسته على يد أستاذه الشيخ حسن الدمستاني، فقد فرغ من تصنيفها المؤلف 8 جمادى الأولى 1173 هجرية، والفراغ من نسخها في 15 جمادى الأولى 1174 هجرية، هذا الفارق الزمني القصير سنة وسبعة أيام، إضافة إلى أنه نقلها عن نسخة الأصل، وكتابة القيد من ابن المصنف، وقد وصفه ب> الأخ الأواه<، يؤكد تتلمذ الشيخ الدندن على يد المؤلف الشيخ حسن الدمستاني، وأن النسخ تم أثناء الدراسة على يديه في كربلاء، وقد وصفه بالأخ في أشارة لمعرفته ولقربه منه.

كما في قيد النسخ إشارة واضحة لتتلمذه عليه والإشادة بعلومه والدعاء بدوام البقاء له، وقيد النسخ: >هذه صورة خط المصنف أدام الله تأييده، وعَلَى من بنيان الإسلام بوجوده تشييده، وحفظ في الشرع الشريف مشتتاته، وجمع به من الدين الحنيف شارداته آمين آمين<.

وقد تم النسخ على الأصل وفي حياة المؤلف قريباً منه وتحت عينه وإشرافه.

ولا يستبعد تتلمذه على عدد من أعلام كربلاء وقد كانت تعج بالعلماء الكبار والفقهاء البارزين، فمن عادة طالب العلم إذا هاجر لطلب العلم أن يحضر عدة دروس في الفقه والأصول والكلام واللغة على أيدي معلمين مختلفين مستمراً جل وقته في الفوائد العلمية، ليتسنى له الرجوع إلى وطنه وقد امتلأت جعبته علماً ومعرفة.

مدرسته العلمية:

بعد جولة تحصيلية طويلة أمضاها الشيخ عبد الله في ربوع كربلاء وعدد من الحواضر العلمية متتلمذاً على أيدي العلماء والفقهاء، قرر العودة إلى وطنه الأحساء حدود سنة 1180 هـ ، أو قبله فترة يسيرة، لينشئ معلماً علمياً ومدرسة دينية يستقبل فيه أبناء منطقته الأحساء ليكون أحدى محطاتهم العلمية.

ولأنه قامة علمية عالية وشخصية تميزت بالورع والتقوى والتفاني لخدمة المجتمع وبناء جيلاً صالحاً، فقد كسبت مدرسته العلمية شهرة واسعة وأصبح مقصداً لطلاب العلم من مختلف مناطق وقرى الأحساء سواء للتتلمذ عليه أو الاستفادة من مجلسه ومحضرة العلمية، وبين أيدينا عدد من الوثائق التي صادق عليها أو قام بكتابتها، فيها مما يلفت النظر كثرة العلماء والفضلاء ممن ليس لهم شأناً بموضوع الوثيقة، وهو أمر يمكن أن نفسره بأن العلماء من عادتهم في المنطقة يخصصون وقتاً للدرس، ووقتاً لاستقبال الجمهور العام لسماع واستقبال أسئلتهم، إضافة إلى توثيق وكتابة عقودهم الرسمية بما يحفظ الحقوق من مبايعات ووصايا ووقفيات وغيرها من المعاملات المختلفة، التي يرى الناس إن عالم الدين هو الفيصل في حلها، فإذا كتبها أو أمر بكتابتها يقوم بالتصديق عليها وتسجيل عدد من تلاميذه كشهود لتقوية الحجة ولأنهم محل ثقة الناس وعماد المجتمع.

وهذا من الأمور التي تساعد على كشف أسماء تلاميذ العلماء وطبقاتهم العلمية ودراستهم على بعضهم البعض، خاصة إذا تكرر الاسم على عدد من الوثائق لنفس الشيخ والأستاذ كاتب الوثيقة أو من أملى كتابتها، ومن تلاميذ الشيخ الدندن نذكر منهم:

1 - الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي «1166 - 1241 هـ »، وقد أشار بدراسته عليه ضمن كتابة سيرته الذاتية، أثناء إقامته في بلدته «المطيرفي»، حيث أخذ عليه بعض دروس المقدمات العلمية.

2 - الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد آل أبي دندن المبرزي الأحسائي «كان حياً سنة 1218 هـ ».

3 - الشيخ يسٍ بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد آل أبي دندن الأحسائي «بعد سنة 1242 هـ ».

وقد أشارت بعض الوثائق إلى عدد ممن يحتمل إنهم تلاميذه أو ممن استفاد من محضره ومجلسه وهي:

الوثيقة الأولى:

قام بكتابة مبايعة لأرض زراعية ببلدة القارة، كان المشتري فيها ناصر بن علي آل حسين، بوكالته وولايته عن حسن بن عباد آل حسن وأحمد بن محمد بن عباد آل حسن، من يحيى بن علي بن بطال، عن نفسه وبوكالته عن أختيه فاطمة ولطيفة بشهادة الوكالة من الشيخ عبد المحسن البلادي، وأخيه الشيخ حسن البلادي، وكانت المبايعة في أول ذي القعدة سنة 1190 هـ ، ومن شهود المبايعة عدد من أعلام القارة وهم: الشيخ محمد بن الشيخ حجي بن جلواح، والشيخ ناصر بن الشيخ حجي بن جلواح، وحسن بن الشيخ محمد أبو دندن، والشيخ إبراهيم بن حجي بن عيثان، إبراهيم آل حجي آل علي، الشيخ عبد المحسن بن محمد آل مبارك البلادي.

وقد ختمها الشيخ الدندن: >حرره شاهداً به الأقل عبد الله بن محمد أبو دندن عفى عنهم بمنه وكرمه<.

ومن خلال هذه الأسماء وشهرة الأعلام الشهود فيها يظهر أنها كتبت في مدرسة علمية كان الشهود فيها تلاميذ الشيخ الدندن، إضافة إلى عدد من رواد مجلس الشيخ عبد الله وممن يستفيد بمحضر درسه وما يدور في مجلسه من نقاشات علمية.

الوثيقة الثانية:

وهي عبارة عن هبة شرعية لأرض زراعية والمالكين لها من أهل الهفوف، وقد شهد عليها عدد من الحاضرين في المجلس وقد كتبت بإملاء منه وهم:

الشيخ عبد الله أبو دندن أهل المبرز، وعلي بن أحمد بن حسن بن يوسف بن محمد بن رستم، والشيخ ناصر بن حجي بن جلواح أهل القارة، وخليفة بن علي بن محمد بن سلطان، ومحمد بن حسن آل حجي، وعلي بن أحمد بن فارس، عبد الله بن حسين بن فارس، وحسين بن خلف أهل أبو ثور، وحسين بن محمد بن فارس.

وقد حررها الشيخ أحمد بن علي بن حسين البحراني من العمران الشمالية، كان موجود سنة 1191 هـ ، ويحتمل إنه بأمر الشيخ عبد الله بن أبي دندن.

الوثيقة الثالثة:

وموضعها شراء أرض زراعية بطرف بلدة الجبيل، كان المشتري فيها علي بن خميس الفداغم، والبائع سلطان بن إبراهيم بن محمد الجبيلي، وذلك بتاريخ 17 جمادى الثانية سنة، 1194، وقد حررها الشيخ عبد الله أبو دندن، كتب في آخرها: >حرره شاهدٌ به الأقل عبد الله بن محمد أبو دندن عفى عنهم بمنه<.

وقد شهد على المبايعة عدد كبير من الحاضرين منهم:

حسن بن إبراهيم، علي بن حسن المطوع، عيسى بن حسن بن عيسى البغلي، عيسى بن إبراهيم الأشقر، حسن بن علي بن إبراهيم، الشيخ حسين بن علي بن حمد[بن حسن الشواف آل بن فارس الهفوفي الأحسائي «حيا خلال 1198 هجرية»]، ناصر بن حمد الحواج.

فمن الملاحظ إنه لا تخلو وثيقة من رجال العلم وفي الغالب ليسوا طرفاً في المعاملة الواردة المراد تسجيلها، مما يعطينا اعتقاد إن المجلس إسهامه أكثر وأكبر من مجرد تقييد عقود ليصل إلى حد الاستفادة العلمية سواء الدرس أو النكات العلمية التي يتطرق لها رواد وربان المجلس.

دوره وإسهامه العلمي والاجتماعي:

إضافة لما تم الإشارة إليه خلال الوثائق السابقة وأنه محضر درس يمكن أن نظيف بعض النقاط الهامة المرتبطة بنشاط الشيخ الدندن:

1 - التوجيه والإرشاد:

من خلال الوثائق السابقة والتي يشهد عليها أعداد ليست بالقليلة، خلاف المألوف في الوثائق التي يكتفى فيها عادة بأربعة أو خمسة من الشهود، ممن لهم صلة ورابطة بمسألة الوثيقة، يفيدنا عدة أمور من برزها: إن مجلس الشيخ عبد الله هو أشبه بالمدرسة العلمية التي يحضره طلاب العلم من مختلف مناطق الأحساء للدراسة على يديه والاستفادة من علومه في مختلف الحقول العلمية، خاصة وإن بعض الأسماء تكرر في أكثر من وثيقة.

والذي احتمله إن الشيخ الدندن امتلك مدرسة علمية تعج بطلاب العلم من مختلف أقطار الأحساء، وكان منهم في فترة ما الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وربما أيضاً من أبناء قرية القرين القريبة والتي منها الشيخ أحمد بن الشيخ محمد المحسني، فكان التسجيل في الوثائق لعينات من الموجودين وليس جميع الحضور، لذا قد يذكر بعض المشايخ في وثيقة ولا يذكرون في أخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المجلس أو المدرسة يرتادها أناس من مختلف فئات المجتمع للاستفادة من محضره بعد الدرس، وبالتالي كان الشيخ يضيف بعض هؤلاء ضمن شهود الوثائق لديه.

2 - تشجيع الكتابة والتأليف:

ضمن التدقيق والنظرة عند الشيخ لطلابه وتلاميذه أن يشجع ويدعم الذي يجد فيه الفطنة وسمت العلماء الكبار، فيدعوهم ويشجعهم على الكتابة في بعض الحقول العلمية التي من شأنها تبرز ما لديهم من طاقات وكفاءة علمية، ومن جهة أخرى تخدم المجتمع وتلبي ما لديه من حاجات فقهية وعقدية، ولعل هناك عدد من البحوث والدراسات كتبت بطلب منه، إلا أن ضياع التراث الأحسائي أفقدنا معرفة ورؤية هذه الكنوز، والذي بقي منها النزر اليسير ومنها ما ذكره الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي في شأنه خلال كتابة مقدمة «شرح رسالة القدر»:

>هذه كلمات ذات تبيين وسداد في بيان القدر في أفعال العباد... كتبتها إذ أمرني بذلك شيخي الحكيم الأواه، حسن السَّمت والدَّيدن الشيخ عبد الله بن ندن، أنار الله أيامنا ببقائه<.

3 - فتح المجالس العلمية:

من سمات مجالس العلماء وصفاتها البارزة، إنها تسهم في خلق روح الحوار والنقاش عند طالب العلم وتعطيه من الفوائد والنكات العلمية بما لا يجده في الكتب والرسائل العلمية، كما يتعلم فن النقاش إضافة إلى الكثير من المعلومات في مجالات علمية مختلفة.

ومجلس الشيخ عبد الله هو أحد تلك المجالس التي تعج بها المراكز العلمية كالنجف الأشرف وكربلاء وغيرها من الحوزات التي يستفيد طالب العلم فيها من الجلسات الجانبية للعلماء بما يدور فيها من حوار ونقاش قد يفوق في بعض الأحيان على الدرس نفسه، لأنه يستمع إلى وجهات نظر المختلفة والنقض والإبرام بطريقة حيوية وحية بعيداً عن لغة الكتب الدراسية الجافة، لذا يحرص التلميذ المُجد على الالتزام بمثل هذه الجلسات ويجعلها جزء من مصادر إفادته العلمية.

هجرته إلى كربلاء:

قبل سنة 1210 هـ ، رحل الشيخ عبد الله من الأحساء إلى كربلاء، وسكن في إحدى البلدات والقرى المحيطة بها قائماً بدوره الديني والاجتماعي إلى حين وفاته، ولا زال له ذريته فيها، والسؤال الذي يبقى أي مناطق كربلاء أختارها الشيخ الدندن أن لتكون مثواه الأخير.

الذي نميل إليه ونعتقد أقرب الاحتمالات إنه سكن بلدة >عين التمر< أو >شثاثا<، التابعة لمدينة كربلاء، وتقع غرب مدينة كربلاء المقدسة بحوالي 70 كم، بعد المفرق الذي يؤدي إلى الحدود السعودية والمسمى ب>طريق الحج البري». يحدها من الغرب منطقة شريش، ومحافظة الأنبار، وشريش اسم المنطقة التي يمر فيها نهر قديم يسمى بالاسم نفسه ومن الشرق الطار وهو حافة منخفض أبي دبس أمام منطقة الشعيب، ويسمى أيضا طار السيد، كما يحدها من الشمال بحر الملح وهور أبي دبس ومن الجنوب منطقة السلام، وهي اليوم قضاء تابع لمحافظة كربلاء. تعتاش المدينة بشكل رئيسي على زراعة النخيل الذي اكتسبت اسمها منه.

ومنشأ هذا الاحتمال لما تمتاز فيه هذه المنطقة من مواصفات لا نجدها في المناطق الأخرى المحيطة بمدينة كربلاء المقدسة، ومن أهمها:

- البيئة الزراعية المشابهة إلى حد كبير بالأحساء فكلتاهما تشتهران بزراعة النخيل وكثرة العيون، وبالتالي تشابه الطقس والمناخ بين المنطقتين.

- الهجرة الأحسائية القديمة إليها، ففي تقرير كتب عن هذه البلدة، جاء فيه عن التركيبة السكانية: > إن أغلب سكان «عين التمر» من القبائل العربية وهم بالمطلق من المسلمين، والذين يسكنوها اليوم هم من مختلف القبائل مثل آل حسان والحساويين وهم قبائل أو بيوتات هاجرت عبر فترات زمنية مختلفة من الأحساء في السعودية واستقرت في عين التمر، والأنباريون «نسبة إلى الأنبار» وآل شبل وبنو أسد والدراوشة وآل زين الدين<.

وهذا يتناسب مع العقلية الأحسائية التي تحب أن تعيش دائماً في أماكن توطنها وهجرتها على شكل جماعات مترابطة تمارس نشاطها الديني والاجتماعي بما يشعرها أنها لا زالت في وطنها الأم الأحساء، لذا هي تكون في صدارة الاحتمالات لبلدة توطن الشيخ الدندن.

- أنها قريبة من الحدود السعودية وعلى طريق الحاج البري، مما يجعل التواصل بين سكانها الأحسائيين ومن يكون قادماً من الأحساء لزيارة المراقد المقدسة سهلة.

- إن نسبة كبيرة من السكان الأحسائيين لا زالوا إلى اليوم يحتفظون باللهجة الأحسائية القديمة التي حملوها معهم من وطنهم الأم.

ومما لا شك فيه إن الشيخ عبد الله بن محمد بن أبي دندن قام بدور المبلغ والواعظ والمرشد الديني في السنوات الأخيرة التي قرر أن يمضيها قريباً من أرض الإمام الحسين×، كربلاء المقدسة.

وفاته:

بعد هجرته الأخيرة إلى كربلاء حدود سنة 1210 هـ ، انقطعت أخبار الشيخ وصعب معرفة أحواله، ولكن أبنه الشيخ يسٍ أشار إلى أن وفاة والده قبل سنة 1238 هـ ، فقد دون ابنه الشيخ يس على ظهر مجموع خطي من متملكاته اسمه، وذكر والده ب «المرحوم»، ونص التملك: >: >دخل هذا الكتاب في ملك الأقل الفقير إلى رحمة الله يسٍ بن المرحوم الشيخ عبد الله بن محمد بن حسن بن عبد الله أبي دندن الأحسائي سنة 1238 هـ <.

مما يعني إن الشيخ عبد الله في هذا التاريخ قد انتقل إلى جوار ربه.

لكن نظراً لكبر سنّ الشيخ فمن المحتمل إن وفاته سبق هذا التاريخ بعقد من الزمن أو أكثر.

منسوخاته:

العنوان: انتخاب الجيد من تنبيهات السيد

تلخيصا لكتاب «تنبيهات الأريب وتذكرة اللبيب في إيضاح رجال التهذيب» من تأليف السيد هاشم التوبلاني البحراني «ت 1109 هجرية».

المؤلف: الشيخ حسن بن محمد بن علي الدمستاني البحراني «ت 1191 هجرية».

أوله: > الحمد لله الذي وطَّد قباب الشرع الشريف بالكتاب المبين والسنة الزاهرة، وسدد طلاب الدين الحنيف باقتفاء آثار العترة الطاهرة... وبعد: فيقول المتعطش إلى الفيض الأقدس السبحاني حسن بن محمد الدمستاني<.

آخره: >هذا ما تيسر للفكر العليل والنظر الكليل من تلخيص تنبيهات السيد الجليل وافياً بالغرض، وخالياً عن التطويل مع زيادات تروق لأولي التحصيل، فمن عثر على عثرة فليصفح الصفح الجميل.. على يد العبد الجاني حسن بن محمد الدمستاني حامداً مصلياً مستغفراً بضحى اليوم الثامن من شهر جمادى الأول سنة 1173<.

تاريخ النسخ: فرغ من نسخه 15 جمادى الأول سنة 1174 هـ .

كما في قيد النسخ إشارة واضحة لتتلمذه عليه والإشادة بعلومه والدعاء بدوام البقاء له، وقيد النسخ: >هذه صورة خط المصنف أدام الله تأييده، وعَلَى من بنيان الإسلام بوجوده تشييده، وحفظ في الشرع الشريف مشتتاته، وجمع به من الدين الحنيف شارداته آمين آمين، وفرغ من نسخه قلم فقير الله الغني عبد الله بن محمد أبي دندن نهار يوم الخامس عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1174<.

قيود التملك:

لعل من أكثر الأمور المُلفته في المخطوط، إضافة إلى قيمته العلمية وأهمية النسخة أنها كتبت في عصر المؤلف، احتوائها على عدد من التملكات الهامة التي تعكس الحراك العلمي البحراني الأحسائي والارتباط العلمي بين البلدين، وقد ضمت المخطوطة عدد من التملكات معظمها أحسائية وهم:

- قيد من العلامة ابن الشيخ حسن الدمستاني الشيخ أحمد: وقد سجل قيداً في بداية النسخة ونصه: >هذا الكتاب المستطاب المسمى بالانتخاب الذي هو من تأليف الوالد الأستاذ شيخنا الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ محمد بن الشيخ علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله بن حسن بن صدقة البحراني الدمستاني؛ في ملك الأخ الأواه الشيخ عبد الله بن أبي دندن الأحسائي وفقه الله لبلوغ درجة الاستنباط، وكتب أخوه في الله أحمد سائلاً منه الدعاء لي ولآبائي بالعفو والمغفرة في تاريخ غرة جمادى الثانية من سنة 1174 هـ  <.

ومن الدعاء: > وفقه الله لبلوغ درجة الاستنباط<، في إشارة إن الشيخ الدندن لا زال يرتقي في تحصيل المراتب العلمية بالدراسة في كربلاء، ولعله أيضاً درس على الابن الشيخ أحمد الذي هو من مشيخة الإجازة الكبار، كما درس على الأب الشيخ حسن.

- الشيخ حسين بن علي بن حمد بن حسن الشواف آل بن فارس الهفوفي الأحسائي «حيا خلال 1198 هجرية».

لا يعرف الكثير من حياته سوى أنه من المعاصرين للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، والشيخ عبد المحسين اللويمي في الأحساء، شهد على بعض الوثائق التي حررها الشيخ اللويمي في الأحساء، وصادق عليها عدد من أعلام الأحساء، ولعله درس على أيديهما لشهرتهما، ولكون كل واحد منهما حينها كان يدير مدرسة علمية في الأحساء.

ويعتبر هذا المخطوط أول رسالة عليها قيد تملك للشيخ الشواف، إذ معظم تراث أسرة آل الشواف العلمية مخفي لدى أحفاد العائلة، ولعل فيها الكثير من الفوائد العلمية التي تكشف عن تاريخ هذا البيت علمي المغمور.

وقيد تملكه على النسخة: >دخل هذا الكتاب المستطاب المسمى بالانتخاب في حيازة الأخ الأغر السالم من المين الشيخ حسين بن علي بن حمد بالبيع الشرعي، وكتبه الأقل محمد بن حسن بن سليمان عفى الله عنهم أجمعين راجياً منه أن يشركنا في دعاه والحمد لله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين<، وعليه ختم الشيخ الشواف وهو مربع ونقشه: «حسين ابن علي»

- الشيخ محمد بن حسن آل بن سليمان الصائغ الأحسائي «حياً سنة 1222 هـ »:

من أعلام مدينة الهفوف ممن هاجر من الأحساء وسكن مدينة شيراز، وعرف بمزاولة مهنة الطب والطبابة، تتلمذ على يديه ولده الشيخ عبد المحسن «بعد 1285 ه».

وقد تميز الشيخ آل بن سليمان بخط الجميل وقدرته الجيدة على التعبير، بحيث يعتمد عليه أصدقائه وزملائه بتسجيل قيود تملكاتهم على المخطوطات.

ورد أسمه سنة ضمن وثيقة 1198 هـ ، عليها تصديق الشيخ اللويمي وورد اسمه ضمن الشهود مع الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، والشيخ حسين بن علي الشواف، والشيخ عبد الإمام بن محمد بن فارس، والشيخ موسى بن محمد الصائغ، والشيخ عيسى بن الشيخ محمد اللويمي.

يحتمل أنه أخذ عن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي لقرب سكنه وأسرته من مقر مدرسة الشيخ الأحسائي في الهفوف، ومعاصرته له وورود هذا العدد من الأعلام في وثيقة فيه إشارة إن تسجيلها وقع ضمن محفل علمي يجمع عدد من العلماء كمدرسة علمية.

- الشيخ حسين بن محمد آل بوعريش المبرزي الأحسائي «القرن الثالث عشر»، كانت له عناية بتملك الكتب، بل لا يبعد امتلاكه خزانة علمية، يقول المؤرخ الرمضان: >وقفت على كتاب مخطوط تملكه - المترجم له -، وقد ملكه بعده الشيخ عبد المحسن اللويمي، والتملك بدون تاريخ<.

كما تملك «قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام» للعلامه الحلي حسن بن يوسف بن المطهر «726 ه»، وهي بدون اسم الناسخ وتاريخ الكتابة، عليها تملكات عديدة، منهم الشيخ حسين بن محمد بو عريش، وعلي بن الشيخ صالح بن زين الدين الهجري وتصديقه بيضاوي «علي بن صالح زين الدين».

أما قيد تملكه على هذه النسخة «انتخاب الجيد من تنبيهات السيد»، فقد سجل أيضاً بيد الشيخ محمد بن حسن آل بن سليمان الصائغ، ونص التملك: >بسم الله هذا الكتاب المستطاب المسمى بالانتخاب في ملك الشيخ العزيز الشيخ حسين ابن محمد أبو عريش، متعه الله به طويلا. وكتبه الفقير محمد بن حسن راجياً منه أن يشركه في أدعيته، وذلك يوم تاسع وعشرين من شهر ربيع الأول سنة تسعين ومائة وألف. وصلى الله على محمد وآله وسلم<.

- الشيخ عبد الله بن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وقد سجل قيد تملكه بكلمات نصها: >باسم الله والحمد لله، دخل في حيازتي وأنا الأقل عبد الله بن أحمد بن زين الدين في سنة 1244<، ورقمها بختمه المربع: «عبد الله بن أحمد».

- في نهاية النسخة قيد مقابلة من الناسخ جاء فيه: >بلغ تصحيحه على نسخة الأصل إلا ما زاغ عنه البصر والحمد لله رب العالمين<.

ويمكن من خلال السابق ترتيب التملكات الأحسائية على النسخة بحسب التالي:

أولاً: الناسخ: الشيخ عبد الله آل أبي دندن المبرزي سنة 1174 هـ .

ثانياً: الشيخ حسين بن محمد آل بوعريش المبرزي سنة 1190 هـ ، ويحتمل أنه اشتراها من الشيخ الدندن، الذي تربطه به مدينة واحدة.

ثالثاً: الشيخ حسين بن علي الشواف الهفوفي، وإن كان لا يوجد تاريخ لتملكه.

رابعاً: الشيخ عبد الله بن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي سنة 1244 هـ ، وإن كان يحتمل وجود واسطة بين الشيخ الشواف والشيخ عبد الله يحتمل أن يكون والده الشيخ أحمد، الذي نقل معه أثناء هجرته من الأحساء خزانته العلمية والتي ضمت عدد كبير من المخطوطات الأحسائية.

كما يلفت النظر تسجيل قيدين من التملك على يد الشيخ محمد حسن آل بن سليمان، والذي يظهر أن الثلاثة الشيخ حسين بن محمد آل بوعريش، والشيخ حسين بن علي الشواف، والشيخ محمد بن حسن آل بن سليمان أصدقاء وزملاء درس عند أساتذتهم في الأحساء، وإن كان يصعب الجزم بضرس قاطع تتلمذهم على أي من الأساتذة المعروفين حينها كالشيخ عبد الله آل أبي دندن، أو الشيخ أحمد بن زين الدين، أو الشيخ عبد المحسن اللويمي.








مجلده تجليد مشكي، تقع في 260صفحة، 22 سطر، 12X31.

 

المصدر: مكتبة كلية الألهيات بجامعة طهران: 129.