النظام المناعي السلوكي Behavioural Immune System
يُعرَّفُ بأنه استجابةٌ نفسيةٌ غير واعية تعمل كخط دفاع أولي لتقليل التعرض لمسببات أمراض محتملة.
إن الشعور بالتقزز أو الاشمئزاز «Disgust» هو أوضح الأعراض، ومثال ذلك، تجنب الغذاء الرديء ذي الرائحة الكريهة اشمئزازاً، بغرض الابتعاد عن مرض مُعْدي محتمل. ومن ذلك أيضاً، الشعور بأَكْل طعام فاسد قد يؤدي للتقيء لطرد هذا الطعام من الجسم تفادياً لحدوث العدوى/المرض. وتأثير النظام المناعي السلوكي يختلف من شخص لآخر وبدرجات متفاوتة.
إن نظرية النظام المناعي السلوكي تعمل بمنطق ”أن تكون بأمان، أفضل من أن تندم“ «Better safe than sorry». بمعنى أن استجابتنا قد تكون في غير محلها، وتُستثار بمعلومات غير مترابطة مما يؤدي لتغيير قرارتنا المنطقية استناداً لمعطيات قد لا تستند للخطر الحالي. والنتيجة يصبح الخطأ أكثر من الصواب.
تنشيط النظام المناعي السلوكي يؤثر في الإدراك الاجتماعي وأيضاً السلوك الاجتماعي تباعاً.
احتلَّ وباء COVID - 19 حيزاً كبيراً من تفكيرنا، من النادر أن يفعله تهديدٌ مَرضي سابق. خلال الأسابيع الماضية، تصدرت تقارير هذه الجائحة معظم صحف العالم بكل اللغات، القنوات الإذاعية والتلفزيونية تتسابق في إعلان آخر أرقام الوفيات، ومنصات التواصل الاجتماعي امتلأت بأرقام مرعبة أو بنصائح علمية أو غير علمية.
قَصْفُ كورونا هذا المستمر أدى لرفع نسبة القلق والإحساس بخطر محدق مع تأثير مباشر على الصحة العقلية. يؤدي الشعور بتهديد الوباء وسطوته، عند تنشيط النظام المناعي السلوكي، أن تكون ردود أفعال الأشخاص وأحكامهم الأخلاقية أشد قساوةً والمواقف الاجتماعية تكون أكثر تحفظاً.
كثير من الأمراض المُعْدية تنتقل بسبب الاختلاط/التواصل الاجتماعي بين الأفراد، لذلك يحرص الأفراد للتمييز بين من ينقلون العدوى من غيرهم.
ويمكن ملاحظة، أنه عند تنشيط النظام المناعي السلوكي يصبح هؤلاء الأشخاص طائفيين أو قَبَليين «من الطائفة/القبيلة Tribalistic»، بمعنى أنهم أفضل من غيرهم طائفةً أو عِرْقاً، مع زيادة ارتيابهم من الأغراب «Outsiders/strangers» المختلفين لوناً أو عِرْقاً، كما أشارت تقارير إلى تنامي العنصرية «Racism» وظاهرة الخوف من الغرباء «Xenophobia» عند تفشي الأوبئة.
مثال على ذلك، الذي حدث في إحدى دول الخليج قبل فترة قريبة تجاه إحدى الجنسيات والدعوة لإبعاد الأجانب خارج ذلك البلد أو في الصحراء، كما شاهدناه على شاشات التلفزة. يُعزى ذلك لشعورنا أن هؤلاء الأغراب من الجنسيات المختلفة يأتون من دول موبؤة حاملين معهم أمراضاً معدية، بالإضافة لشعورنا بقلة اهتمامهم بالنظافة الشخصية التي تُعَدُّ أساساً في تقليل نقل العدوى.
ويكون الأشخاص أكثر قساوةً ونفوراً تجاه الأشخاص الأقل جاذبية «وإن كانوا أصحاء»، لأن أشكالهم توحي وتُعطي انطباعاً بصحة سيئة وأنهم ناقلون للمرض، مثل الأشخاص المشوهة وجوههم أو من بهم عاهات جسدية أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأحيانًا حتى من كبار السن.
وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية في أحد تقاريرها في شهر مارس السابق، أن بعض الشعوب تعتقد أن شعوباً بعينها تصاب بفيروس كورونا دون غيرها «Stigmatisation». وازداد الشعور السلبي تجاه الشواذ جنسياً عند تفشي وباء Ebola عام 2014م. وفي داخل المجتمع الواحد تبرز الطبقية، وكأن الطبقات المجتمعية الدنيا أكثر عرضةً للوباء من غيرها.
حتى الآن، لا توجد بيانات يُعتمد عليها تؤكد تأثير جائحة كورونا وما غيرته في سلوكياتنا، لكن نظرية النظام المناعي السلوكي تحتمل ذلك بشدة مع ما نراه من أمثلة حية.
ولنظرية الجهاز المناعي السلوكي أيضاً تطبيقات أخرى في صنع القرارات في مجال السياسة والسياسة المجتمعية، لا مجال للتحدث عنها الآن.
لم تترك هذه الجائحة جانباً من الجوانب الحياتية إلا وأَثرت فيه، شدةً أو ضعفاً. مع كل ما تقوم به الجهات المختصة مشكورةً من جهودٍ جبارة في محاربة هذا الوباء، إلا أن الجوانب الاجتماعية/النفسية من المفترض أن لا تُهمل. فينبغي زيادة الوعي الاجتماعي تجاه مثل هذه الآثار، وأن تكون كل طبقات المجتمع إيجابيةً تجاه بعضها، ومتراحمةً فيما بينها.