مع شخصيات الفكر والأدب - علي محمد عساكر «6»
وصلنا الآن إلى الجزء السادس من مبادرتي «مع شخصيات الفكر والأدب» وما زلنا مع شخصيتها الأولى الأستاذ علي محمد عساكر، حيث سنخصص هذا الجزء للحديث عن برنامج أعده وقدمه في عام 1438 هـ 2017م، ذلك هو برنامج «دردشة مع...»
وأود أن أبدأ حديثي عن هذا البرنامج بالقول: إنه برنامج شبيه إلى حد كبير بمبادرتي هذه، سواء في أفكاره، أو أهدافه، ومع هذا فهو يفرق عن مبادرتي بأمرين:
الأول: إنه أوسع وأشمل، إذ أن مبادرتي محصورة في الشخصيات الفكرية والثقافية والأدبية، في حين أن برنامج الدردشة يهتم بجميع الشخصيات في مختلف المجالات.
الثاني: مبادرتي كتابية، في حين أن برنامج الدردشة يقوم على استضافة الشخصيات، وإجراء الحوارات المباشرة معها «بالصوت والصورة» وبعدها يقوم عساكر بتحميلها على قناته في اليوتيوب، ويعمل على نشرها عبر قنوات التواصل المختلفة، لتصل إلى أبعد مدى ممكن من الشهرة والانتشار.
ولا بأس أن أتوسع أكثر في الحديث عن هذا البرنامج، وذلك وفق المحاور التالة:
لقد اختار عساكر لبرنامجه عنوانا عفويا بسيطا، هو «دردشة مع» ومن أسباب هذا الاختيار - حسب تصور أو رؤية عساكر - أن هذا العنوان العفوي الشعبي قد يكون أكثر جذبا للشريحة الاجتماعية العامة، التي بطبيعتها تنجذب إلى التعبيرات العفوية، وتنشد إليها أكثر من غيرها.
وأيضا ليرفع الحرج عن الضيف، وذلك لأن طبيعة البرنامج وفكرته تفرض عليه أن يتكلم عن نفسه، والكثيرون يرون صعوبة في ذلك وإن كان في حوار، فكأنما أراد عساكر أن يوحي إلى الضيف أنها مجرد دردشة عامة، وبعيدة عن الرسميات «كما قال في افتتاح الحلقة الأولى مع ضيف البرنامج الأول المؤرخ جواد الرمضان» ليرفع عن الضيف الحرج، ويشجعه على الكلام بأريحية وارتياح، ومن دون أي حياء أو حرج، فيظفر منه بأكبر قدر ممكن من المعلومات.
والحقيقة أن البرنامج ليس مجرد دردشة وإن حمل هذا العنوان، بل هو حوار جاد وعميق، وثري وغني في معلوماته، خصوصا وأن عساكر كان يتوسع كثيرا في الحوار، ويكاد يسأل الضيف عن كل صغيرة وكبيرة متعلقة بحياته وإنجازاته.
لعل أهم عامل دفع عساكر إلى القيام ببرنامجه هذا، هو قناعته الكاملة بقيمة وأهمية هذه الشخصيات في المجتمع الأحسائي، وتقديره لجهودها في خدمته، وإيمانه بوجوب شكرها، واعتقاده بضرورة توثيق إنجازاتها للتاريخ، خصوصا وأن الكثير منها لم يكتب عنها ولا عن إنجازاتها أحد، مما جعله يقدم على هذه الخطوة، سعيا منه نحو تحقيق عدة أهداف، يمكن أن نجملها في التالي:
1 - الاحتفاء بهذه الشخصيات والتكريم لها من خلال هذه الحوارات معها، لتشعر أنها وما قدمته لمجتمعها محل التقدير والاعتزاز.
2 - المساهمة - قدر المستطاع - في التعريف بمشاريع وإنجازات هذه الشخصيات، والتي قد يكون بعضها غير معروف لدى المجتمع.
3 - توثيق هذه المشاريع والإنجازات للتاريخ بألسنة أصحابها، ليرجع إليها في المستقبل كل من يريد الكتابة عن الأحساء، وشخصياتها البارزة، فتكون هذه الحوارات من أهم وأوثق المصادر المعتمدة لديه، كونها بالصوت والصورة، وبلسان صاحب الإنجاز نفسه.
4 - نقل الخبرات والتجارب للأجيال بقصد الاستفادة منها.
5 - تحفيز الطاقات وأصحاب المواهب الشابة، وتشجيعهم «عمليا» على الاقتداء بهذه الشخصيات، وذلك من خلال رؤيتهم للتقدير العملي لكل عامل ومنجز في المجتمع.
أما فكرة البرنامج، فهي - كما أشرت - تقوم على استضافة عساكر للشخصيات الفاعلة والمؤثرة والمنجزة في المجتمع، ليجري معها حوارات، ليس عن موضوع معين يختاره ليكون الحوار حوله، وإنما عن مشاريع وإنجازات تلك الشخصيات في الحياة، وهي حوارات تختلف في عدد حلقاتها بين شخصية وأخرى، وذلك حسب ما لدى تلك الشخصيات من مشاريع، ووفق ما قدمته للمجتمع من خدمات، وأيضا حسب طبيعة تلك المشاريع ونوعيتها، وكيفية إعداد الأسئلة المتعلقة بها، وإطناب أو اختصار الضيف في الحديث عنها أثناء إجابته على ما يطرحه عليه عساكر من أسئلة.
يمكننا تقسيم الخطة التي وضعها عساكر لبرنامجه هذا، والمنهجية التي اعتمدها فيه، إلى مراحل أربع، هي على النحو التالي:
ونعني بذلك الإعداد للبرنامج، وتتلخص خطواته فيما يلي:
1 - عدم لجوء عساكر إلى الضيف لأخذ أية معلومة منه عن نفسه، بل اعتمد «البحث الذاتي في جمع المعلومات» فكان يجمع المعلومات من خلال البحث عن الشخصية، سواء من بطون الكتب، أو المواقع الالكترونية، أو الصحف والمجلات.
2 - قراءة المادة المجموعة بتمعن، والقيام بفرزها وتصنيفها حسب طبيعتها.
3 - تصنيف المشاريع والإنجازات حسب تاريخها الزمني، أو وفق تقارب أفكارها.
4 - تحديد المعلومات التي يريد أن يسأل عنها، واستخراجها من المادة المجموعة.
5 - تحديد نوعية وكمية الأسئلة التي يرى ضرورة أو أهمية طرحها على الضيف عن كل مشروع أو منجز.
6 - صياغة الأسئلة وكتابتها مقرونة بتمهيد مختصر للسؤال، يكون بمثابة إعطاء فكرة موجزة عن الفكرة التي يريد السؤال عنها.
7 - جمع بعض الأقوال التي قيلت في الإشادة بالضيف ومنجزاته من قبل بعض الشخصيات، لقراءتها بين فقرات الحوار، وذلك بقصد التعريف بالضيف أكثر، وبيان مدى تقدير المجتمع له، والإشادة بإنجازاته.
ونعني بها منهجية الحوار التي اعتمدها عساكر مع الضيف، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - الافتتاح بالترحيب بالضيف، وإعطاء فكرة عامة وسريعة عن طبيعة الحوار معه، مع الإشارة الخاطفة إلى المواضيع التي سيتم الحوار حولها.
2 - عدم تعريف المقدم بالضيف، وترك ذلك له ليعرف نفسه بما يشاء قبل الانطلاق في الحوار معه.
3 - التسلسل في الحوار من مشروع إلى آخر بشكل تدريجي، وذلك وفق التاريخ الزمني.
4 - إعطاء فكرة سريعة عن المشروع أو المنجز قبل محاورة الضيف حوله.
5 - طرح بعض الأسئلة الارتجالية، التي يمكن أن تنبثق في ذهن المحاور أثناء الحوار، أو تتولد لديه من خلال بعض إجابات الضيف.
6 - الذين لديهم مشاريع قائمة «كأصحاب المتاحف مثلا» يقوم عساكر بجولة فيها برفقة الضيف، طالبا منه التعريف بالمشروع وما يضمه من أركان، وما فيه من محتويات.
7 - قراءة بعض الأقوال والشهادات في حق الشخصية المستضافة، قبل الانتقال في الحوار من مشروع إلى آخر، وإعطاء الضيف فرصة التعليق عليها سواء بالشكر أو غيره، إن أحب ذلك.
8 - بعد انتهاء تسجيل جميع الحلقات، يقوم عساكر بتكريم الضيفة بهدية رمزية، باسم فريق برنامج الدردشة.
والمقصود تنسيق المعد مع الضيف، وكان ذلك يتم وفق الخطوات التالية:
1 - الزيارة الشخصية للضيف، وتعريفه بالبرنامج وفكرته، ومن ثم دعوته للاستضافة.
2 - العمل على إقناع من يحاول الاعتذار قدر المستطاع.
3 - الاتفاق مع الضيف على مكان وأيام التصوير، وفق ظروف الضيف وكوادر فريق دردشة.
4 - تسليم الضيف الأسئلة مكتوبة قبل موعد التصوير بمدة كافية ليطلع عليها.
بعد تسجيل جميع الحلقات مع الضيف، تأتي الخطوات الأخيرة المتمثلة في المونتاج، ومن ثم تحميل الحلقات على «قناة عساكر» في اليوتيوب، ليم بعدها نشرها عبر مختلف فنوات التواصل.
ومما يسجل لعساكر - هنا - بالتقدير أنه لم يكن لديه فريق عمل يساعده في الإعداد، بل كان يقوم بكل ما ذكرناه «باستثناء التصوير والمونتاج» وحده، ويبذل فيه جهودا كبيرة، إيمانا منه بالبرنامج، وبالأهداف التي كان يهدف إليها من ورائه، والتي ذكرناها قبل قليل.
يتكون فريق هذا البرنامج من ثلاثة أشخاص لا أكثر:
1 - علي محمد عساكر
ودوره إعداد المادة، ومحاورة الضيف، كما شرحناه تفصيلا.
2 - الأستاذ هاني أحمد الشطيب.
ودوره إعداد المكان، وتصوير الفيديو، وعمل المونتاج والهندسة الصوتية.
3 - طالب الهندسة بجامعة الملك فيصل: عقيل علي عساكر.
ومسؤوليته هي المساعدة في إعداد المكان، والتصوير الفوتغرافي، وتسجيل بعض المقاطع القصيرة من الحوار بالجوال، وتحميل الحلقات على قناة أبيه.
وبعد اعتذار الأستاذ هاني عن المواصلة لبعض الظروف، قام الأستاذ نايف العوجان بالهندسة الصوتية، والأستاذة زينب أحمد عساكر بعمل مونتاج للحلقات الأربع الأخيرة من البرنامج، والتي كانت مع الأستاذ حسين الخليفة صاحب «متحف الخليفة» كما قامت الأستاذة زينب بتصميم جديد لمقدمة البرنامج.
تمت استضافة ثلاث شخصيات والدردشة معها من خلال هذا البرنامج، وهي:
1 - المؤرخ الحاج جواد بن حسين الرمضان رحمه الله.
وكان أول شخصية تمت استضافتها، وكانت الدردشة معها في ثلاث حلقات، لم يتم تسجيل تاريخ الحلقة الأولى، وأما الثانية والثالثة فكان تسجيلهما مساء يوم الأحد 4 ذو الحجة 1438 هـ ، 27 أغسطس 2017م، في منزل المؤرخ الرمضان رحمه الله تعالى.
ودارت الدردشة حول أمور كثيرة متعلقة بحياة المؤرخ، منذ ولادته في سنة 1355 هـ ونشأته، وطبيعة الحياة الاجتماعية في الأحساء في ذاك الزمن، وعن بعض المعالم وكذا القرى الأحسائية المندثرة، وعن حياته في البحرين بعد أن انتقل إليها صغيرا، وعن هجرته إلى العراق، وإقامته في سوريا، وعودته إلى الأحساء، وجمعه للكتب القديمة، وتوجهه إلى التأليف، وعن مؤلفاته، وعدده، وأنواعها، وأسباب عدم قيامه بطبعها، وعن مساعدته للكتاب والباحثين والمؤرخين، وعن أسباب عدم مشاركته في الفعاليات الثقافية، أو الكتابة الصحفية، وإلى أمور أخرى كثيرة جدا، ضمتها تلك الدردشة في حلقاتها الثلاث.
وبعد الدردشة أهدى عساكر المؤرخ الرمضان نسخة من كتابه «النقد عند العلامة الفضلي» كما تفضل المؤرخ بإهدائه نسخة بالكمبيوتر من الجزء الأول من كتاب «منتظم الدرين في تراجم أعلام الأحساء والقطيف والبحرين» لمؤلفه محمد بن علي بن أحمد التاجر البحراني، بتهميش وتعليق المؤرخ جواد الرمضان رحمه الله تعالى.
2 - المهندس عبد الله بن عبد المحسن الشايب:
وتقع الدردشة معه في خمس حلقات، تم تسجيلها في «مشهد الفكر الأحسائي» وكان تاريخ الدردشتين الأولى والثانية، مساء يوم الجمعة ليلة السبت 4 ربيع الثاني 1439 هـ 23 ديسمبر 2017م، والثالثة والرابعة مساء يوم الأربعاء 8 ربيع الثاني 1439 هـ 26 ديسمبر 2017م، والخامسة صباح يوم السبت 11ربيع الثاني 1439 هـ 29 ديسمبر 2017م.
ومما تم التطرق إليه في هذه الدردشة: تخصصه في الهندسة المعمارية، وإشرافه على صفحة التراث بجريدة اليوم، وتصميمه لموقع الأحساء في الجنادرية، وعمله في البلدية، والتطور العمراني في الأحساء، واحتراق سوق القيصرية، وجمعية العلوم للعمران التي يتولى رئاستها، ومركز النخلة للصناعات الحرفية الذي أسسه وهو يشرف عليه، وتأسيسه لمشهد الفكر الأحسائي، وعن كتبه ومؤلفاته، إلى أن كان ختام الدردشة حول عشقه للأحساء.
وبعد الانتهاء من الدردشة تم إهداء المهندس الشايب كتيبا صغيرا، جمع فيه عساكر بعض ما عثر عليه أثناء البحث وإعداد للدردشة من كتابات عن الشايب، أو حوارات أجريت معه، والجميل أن المهندس تفجأ بها، لنسيانه الكثير منها.
3 - الأستاذ حسين بن علي الخليفة:
وهو صاحب «متحف الخليفة» المعدود من أفضل المتاحف على مستوى المملكة، بل ودول الخليج، وتقع الدردشة معه في أربع حلقات، جميعها تم تسجيلها في المتحف، فكان تسجيل الدردشتين الأولى والثانية مساء يوم الخميس مع حسين الخليفة 8 جمادى الأولى 1439 هـ 25 يناير 2018م، والثالثة والرابعة مساء يوم السبت 29 جمادى الأولى 1439 هـ 15 فبراير 2018م.
وتمحورت الدردشة معه حول بيان معنى التراث، وأهميته في حياة الأمم والشعوب، وعن الأسواق والمزادات التراثية في الأحساء وخارجها، واليوم العالمي للتراث، وبداية توجهه إلى الاهتمام بالتراث، وقيامه ببناء المتحف، والتكلفة المالية لبناء المتحف وما يحويه من مقتنيات، ومشاركات المتحف في المحافل التراثية في الداخل والخارج، وفوز المتحف على مستوى المملكة أكثر من مرة كأفضل متحف، وتكريم صاحب المتحف من قبل «جمعية الشحوح للثقافة والتراث برأس الخيمية في الإمارات، في الملتقى الخليجي الأول للاحتفال باليوم العالمي للتراث، وإلى قضايا أخرى كثيرة ومتنوعة، إلى أن تم ختام الدردشة بجولة في المتحف مصحوبة بالتعريف بالأركان وما تضمه من قطع تراثية من صاحب المتحف.
وفي ختام الدردشة أهدى الكاتب عساكر الأستاذ حسين الخليفة بابا خشبيا تراثيا باسم فريق الدردشة.
4 - الأستاذ عبد الله الرستم:
وقد تمت الدردشة معه بعد توقف البرنامج، وهي دردشة سريعة وخاطفة، كانت في منزل الأستاذ عساكر مساء يوم الأحد 18 ذو القعدة 1440 هـ 7 يوليو 2019م، حيث قام الأستاذ الرستم بزيارة عساكر بقصد إهدائه نسخة من كتابه الجديد «أعلام من شرقي الجزيرة العربية» فاقتنص عساكر هذه الزيارة ليجري معه «حوارا مرتجلا» عن اهتمامه بالكتاب، وبدايته في الكتابة الجادة إلى أن توجه إلى التأليف، وعن الصحف والمجلات التي نشر فيها، والدوافع التي دفعته إلى الكتابة والتأليف، والفرق بين كتابة المقالات والكتابة التأليفية، وصولا إلى الدردشة معه عن كتابه «أعلام من شرقي الجزيرة العربية، وتاريخ الإمام علي السياسي، وعمرو الأطرف ابن الإمام علي بن أبي طالب» وقد قام بتسجيل الدردشة عقيل ابن الأستاذ عساكر بالجوال، وهو الذي قام بتحميل حلقات البرنامج على قناة أبيه على اليوتيوب، كما قام ويقوم بتحويل المحاضرات الصوتية لأبيه إلى فيديو ويحملها على القناة، فكأنه المشرف أو القائم على قناة أبيه.
مما يؤسف له أن هذا البرنامج لم يكتب له البقاء والاستمرار، وإلا لقام بدور كبير جدا في التعريف بشخصياتنا الأحسائية الفاعلة من الجنسين، ولوثّق ما لها من إنجازات بالصوت والصورة من قبل أصحابها، ولكن البرنامج توقف بعد هذه الدردشات الثلاث مع هذه الشخصيات المذكورة، وكانت الشخصية الرابعة هي الشاعر الكبير الأستاذ جاسم بن محمد الصحيح، وقد قام الكاتب عساكر بمكالمته، والتفاهم المبدئي معه، وأعطاه الأستاذ جاسم موافقته، ولكن الذي حدث هو أن المصور الأستاذ هاني الشطيب اعتذر عن المواصلة لظروفه الخاصة، وأراد عساكر شراء مستلزمات التصوير كاملة ليواصل البرنامج هو وولده عقيل، ولكن عدم خبرة عقيل في التصوير، وأيضا دراسته الجماعية وظروفها أعاقت عساكر عن ذلك، فلم يكن أمامه إلا اتخاذ قراره بإيقاف هذا البرنامج.