فيروسات العقل
دعونا نفكر بصوت مسموع ونتساءل: هل الصين نجحت في مواجهة فيروس كورونا؟ الجميع يقول بأن الصين قدمت تجربة رائدة في محاصرة هذا الوباء في بؤرة انطلاقه «ووهان». وهنا نتساءل مرة أخرى: لماذا نجح الصينيون وأخفق غيرهم؟ هل لأنهم أسلموا أمرهم لبودا، وبنوا معبدا له وأتاحوا المجال لسكان ووهان الذهاب إليه والاختلاط هناك لأخذ البركة والشفاء أم عمدوا إلى خطط علمية وعملية مدروسة واستراتيجيات ناجعة، وتعاملوا مع الحدث وفق السنن الكونية؟ نجحوا لأنهم تعاملوا مع الحدث وفق السنن والقوانين الكونية.
وهذه الرؤية لا تختلف عن رؤية كبار مراجعنا العظام في قم والنجف، التي ترى احترام التخصص، ولا مجال لحكومة الأسطورة على العقل والعلم والمنطق، وعدم تخلف المعلول عند تحقق علته التامة. وبالتالي ما يروج له من قبل البعض بأن العلاج في فتح المقامات والأضرحة والمشاهد وأماكن العبادة لا في غلقها، دعوة تفضي إلى تداعيات خطيرة، منها: تفشي وانتشار وباء الكورونا، فلا مجال للسيطرة عليه بعد ذلك، وهذا يعني حصد الأرواح والخسائر البشرية، فضلا عن تعطل وشلل الدورة الحياتية والمعاشية والاقتصادية للناس.
ولو تجاوزنا البعد المادي إلى البعد العقدي سنجد بأن مثل هذه الدعوة تساهم بشكل كبير من ابتعاد مهزوزي العقيدة الذين لم يقفوا على قاعدة عقدية إيمانية صلبة عن أهل البيت ، عندما يرون الطامة الكبرى عبر انتشار الوباء، إذ ارتسمت في أذهانهم بأن أهل البيت ، هم القادرون على نشر الوباء ووقفه، وبالتالي: كيف نحاول إقناعهم بأن الأمور تسير وفق قانون الأسباب والمسببات، وهم طوال تنشئتهم لا يعيشون إلا في أجواء الغيبيات والكرامات والمعاجز وعدم احترام العلوم الطبيعية، عبر قنوات فضائية تروج الخرافة والأسطورة بدلا من العلم والمعرفة والثقافة والفكر، إذ يتناوب عليها إما رادود بسيط ضحل الفكر والثقافة الدينية أو خطيب لا يملك الأهلية العلمية والكفاءة المعرفية أو طالب علم لم يتجاوز تحصيله المقدمات منتحلا دور الشيخ المفيد في علم الكلام، وهنا تكمن المصيبة وتعظم الرزية ويفدح الخطب.
هذه الحروف التي أسطرها في هذا المقال منطلقة من خلفية دينية، ترى الدين منسجما تمام الانسجام مع العلم ومتصالح معه، وبالتالي لا يتوهم أحد بأني أهاجم الدين، أو منطلق من خلفية علمانية أو إلحادية أو حداثية أو ما بعد الحداثية.
الخلاصة: الرؤية التي تكرس الدين الغيبي وتجافي العلم والمنطق والعقل لا مجال لها في أذهان كثير من الناس.
وفي الختام: فليكن شعارنا: كما نحذر من الفيروسات التي تهاجم البدن، فلنحذر من الفيروسات التي تهاجم العقل.