الوعي والمسؤولية
الوجه الآخر... لفيروس كورونا المستجد
تشير أدبيات إدارة الأزمات - ومنها أزمة كورونا المستجد - إلى مجموعة من الاستجابات التي تظهر لدى الأفراد والتي تأتي على شكل توتر وقلق ومن مظاهرها:
- الخوف من الاصابة بالمرض والموت
- تجنب تلقي العناية الطبية في المرافق الصحية خوفاً من الإصابة بالفيروس
- الخوف من فقدان سبل العيش وعدم القدرة على العمل أثناء فترة العزل
- التخوف من الاستبعاد الاجتماعي / أن يوضع في الحجر الصحي بسبب ارتباطه بالمرض.
- شعور الافراد أنهم عاجزين عن حماية المقربين لهم والخوف من فقدانهم بسبب الاصابة بالفيروس
- الخوف من الانفصال عن المقربين كالأولاد بسبب أنظمة الحجر الصحي
- رفض رعاية القصّر غير المصحوبين أو المنصلين عن ذويهم، الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن بسبب الخوف من العدوى، بعد الحجر الصحي على ذويهم ومقدمي الرعاية لهم
- الشعور بالعجز، الملل، الوحدة، والاكتئاب بسبب العزل
هذه بعض من جوانب مظاهر التوتر والقلق والتي تأتي عادة نتيجة لظهور هذا الفيروس أو غيره من الأوبئة والأمراض المعدية.
السؤال، كيف يمكن مواجهة هذه المخاوف ونقلها من خانة المعيق للأداء والإنجاز، إلى الجانب العملي الذي يسهم في تخطي الأزمة؟
بالطبع من سمات الشخصية السوية امتلاكها درجة من القلق والخوف، إذ بدونه لن تتمكن من مواجهة المشكلات والأزمات التي تواجهها، بمعنى آخر بهذا القلق الطبيعي والسوي، سيتمكن من إدارة الأزمة والخروج منها برصيد من الخبرة والفعالية. وما ينطبق على الفرد من قلق وتوتر، ينطبق على الجماعة والمجتمع والفارق في الدرجة وليس النوع خصوصاً في مواجهة الأمراض والأوبئة المعدية المتخطية للحدود والجغرافيا.
إذ كلما كانت المسؤولية الملقاة أكبر كانت درجة القلق والخوف الدافع للإنجاز أكبر، لأنه ببساطه يمثل مطلباً من مطالب الأمن القومي.
والحالة الراهنة في إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد من قبل المؤسسات المعنية كوزارة الصحة، والداخلية، ووزارة التعليم وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة، قد أجابت على تلك الهواجس والمخاوف التي قد تتبدى لدى المصاب أو ممن يشك بإصابته بالمرض، وذلك من خلال مجموعة قرارات وإجراءات تم نشرها في الوسائط الاعلامية المختلفة المرئي منها والمسموع والمقروء، مضافا لقيادات المجتمع المحلي.
وبذلك، فإن الحديث عن الوعي والمسؤولية تجاه إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد يأخذ عناوين عديدة وأبعاداً كثيرة نوجزها في بعدين هما:
العمل بالتوصيات والتعليمات الصادرة من الجهات ذات العلاقة بشأن مواجهة الأوبئة والأمراض ليست عملاً ترفياً واختيارياً للفرد أن يعمل به أو يتركه. هنا الموضوع ليس شأناً شخصيا يتحمل تبعاته الفرد دون سواه، وحتى ضمن هذه الدائرة الضيقة المتصلة بالحق الشخصي لا يجوز له التصرف بما يتعدى على حقوق الآخرين. فالتقيد بالتعليمات الصادرة والعمل بمقتضى هذه التوصيات بالرغم مما يحمله هذا الالتزام من تقييد لكثير من الأنشطة اليومية المعتادة من قبل الفرد / المجتمع إلا أنه يعكس وعياً متقدما وسلوكا حضاريا يتمثله الفرد والمجتمع بما يحمله هذا السلوك من وعي ومسؤولية تتموج تردداتها الايجابية على المجتمع نفسه فيعزز بذلك قيم النظام والمسؤولية، وكذلك ما يمكن أن يتمظهر على مستوى المجتمعات الأخرى خصوصاً في ظل شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية المختلفة والمتعددة والتي تتيح فرصة أكبر من أي وقت مضى لانتشارها خارج الحيز الجغرافي المحلي طبقا لما يعرف - في علم الانثروبولوجيا - بالانتشار الثقافي، وهو ما يعني المساهمة من قبل الفرد / المجتمع لأخذ دور الشريك الفاعل في المساهمة مع الجهات المعنية لتخطي هذه الأزمة وما يترتب معها وبعدها من تداعيات لا تقل أهمية من الأزمة نفسها. وعليه فبدون الشعور بالوعي وروح المسؤولية من قبل الفرد والمجتمع فإن أي مجهود يبدل في إدارة الأزمة إن لم يعطل مفاعيل نجاحها هو من غير شك سيطيل من أمد تجاوزها والقضاء عليها. وهذا الوعي المسؤول هو فرس الرهان الذي تعول عليها الدول والحكومات كما الشعوب والمجتمعات أثناء مواجهتها للكوارث والأزمات، وبتوافره - أي الوعي والمسؤولية - يجعل الدولة توجه كامل طاقتها وإمكاناتها لإدارة الأزمة، دون أن تصرف شيئاً من جهدها قد كفيته في جانب من الجوانب من خلال وعي الناس ومسؤوليتهم في معالجته. ومما يمكن أن يساهم به الفرد والمجتمع في هذا الجانب ما يلي:
- عدم نشر الإشاعات والاخبار السلبية وتناقلها في وسائل التواصل الاجتماعي.
- تلقي الأخبار من مصادرها الموثوقة.
- الإدراك بأن فترة تعليق الدراسة، ليست فترة استرخاء للأبناء وتزجية وقت، وإنما جاء التعليق استشعارا من صاحب القرار بمسؤولية الحفاظ على سلامتهم من خطر التعرض بالإصابة بفيروس كورونا المستجد، الأمر الذي يستدعي منه كولي أمر متابعتهم من خلال حثهم على الالتزام بالتعلم عن بعد من خلال «منصة منظومة التعلم الموحدة» الذي أطلقتها وزارة التعليم، كوسيلة من وسائل مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد.
- الشعور بأن هناك جنودا مجهولين يسهرون لينام هو بسلام، وهذا يتطلب منه المساهمة في تسهيل مهمتهم من خلال التقيد بتعليماتهم وتوجيهاتهم الوقائية وإن بدت له صارمة حازمة لأن فيها سلامة وطن.
- إدراك بأن تخطي الأزمة ليست مسؤولية فرد بعينه أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية، أو مجموعة من المؤسسات دون سواها بل هي مسؤولية مجتمع بكل أطيافه وفئاته ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية كل من موقعه ودوره المنوط به والذي يشكل في مجموعه منظومة عمل متكاملة، الخلل في جانب ينعكس سلباً على بقية الجوانب الأخرى. فعلى سبيل المثال: عدم التقيد بالالتزام بالتوجيهات الصادرة بالبقاء في المنزل وعدم الخروج منه إلا لسبب وجيه وضروري مع مراعاة الحيطة والوقاية الموصاة من قبل «سين من الناس»، فإن في عدم التزامه قد يتعرض للإصابة أو ينقل الإصابة لأفراد أصحاء آخرين، وهو ما يسهم في زيادة منسوب العبء على الخدمات والمراكز المستقبلة للحالات المصابة مما يعني ذلك زيادة المدة الزمنية على فترة الحجر الصحي المقترحة، كل ذلك من خلال تصرف فرد واحد فقط، فما الحال عندما يكون هذا السلوك عاما من قبل غالبية الناس، من غير شك فبتصرفهم اللامسؤول هذا ليس فقط يمشون برجلهم نحو حتفهم وإنما يعرضون المجتمع بأكمله لكارثة لا تخطر على بال أحد - نعوذ بالله منها -
- توعية الأسرة وذوي العلاقة بأهمية التقيد بسبل الوقاية من هذا الفيروس.
- استعن بالمهارات التي اكتسبتها في الماضي والتي ساعدت في التعامل مع محن الحياة السابقة واستخدم تلك المهارات لمساعدتك في التعامل مع مشاعرك خلال الوقت الصعب لتفشي هذا المرض فيروس كورونا المستجد.
- الاستفادة من التقنية الحديثة في التواصل الفعال بين الأهل والأصدقاء بما يعزز من إشاعة الروح الايجابية وعدم التذمر والضيق المبالغ فيه.
- استثمار الوقت بما يعزز من الحالة الايجابية وكسر حاجز الرتابة للفرد من خلال القراءة أو الكتابة أو أي هواية ونشاط حر يقوم به الفرد مع أسرته.
- قلل من القلق والتشويش عن طريق تقليل الوقت الذي تقضيه وعائلتك في مشاهدة أو الاستماع إلى التغطية الاعلامية التي تراها مزعجة.
- ضبط السلوك والانفعال مع أفراد العائلة لما يسهم هذا في المساعدة على العون في التكيف مع متطلبات فترة الحجر الصحي المنزلي، فالأطفال مثلاً: غالباً ما يأخذون دلالاتهم الشعورية من البالغين في حياتهم، لذا فإن استجابة البالغين للأزمة مهمة جداً
عملية الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية عامل مهم وأساسي في إدارة الأزمة ومواجهتها، بما تختزنه هذه العملية من أثر فعّال على مستوى الفرد والمجتمع من حيث مساهمتها في خلق مناخات إيجابية تساعد على مقابلة احتياجات الظرف الراهن وما يمثله من ضغوطات وتوترات وقلق بمزيد من فرص التكيف مع الوضع. وهما - أي المساندة النفسية والاجتماعية - مؤشر وعي ومسؤولية تزيدان من فرص تجاوز أو التقليل من تداعيات الأزمة على الفرد والمجتمع.
ويمكن تصور الدعم والمساندة في المساحات التالية:
- مساحة المجتمع: ويأتي هذا في اتجاهين متلازمين
- الاتجاه الاول: ما يمارسه المجتمع نفسه من حالة دعم ومساندة فيما بين أفراده وهو مهم للغاية تبعاً لما يظهره هذا الفعل من أثر بنيوي على تماسك نسيجه الاجتماعي في مواجهة الأزمة من خلال إذكاء روح التعاون والمحبة والإيثار وتأصيل حركة التواصي بفعل بالخير والعمل على إذكاء روح التفاؤل فيما بين مكوناته المختلفة.
- الاتجاه الثاني: البيئات الاجتماعية المحيطة حيث يساهم الدعم والتعاطف المعنوي والوجداني في العمل على التخفيف من آثار الأزمة بما يساعد على تأصيل أواصر المحبة فيما بين أبناء الوطن الواحد، وهي جرعة معنوية عالية الأثر بما تشيعه من مضامين وإيحاءات إيجابية ترفع من منسوب مقاومة الأزمة لشعوره بأنه ليس وحيداً في مواجهة الأزمة وإنما هناك الوطن بأكمله أفراده ومؤسساته يسيرون معه يداً بيد من منطق السلامة والرعاية للجميع
- مساحة الكادر الطبي من أطباء وممرضين وراصدي حالات الإصابة وغيرهم، هم في أمس الحاجة لكلمة وفاء ودعم معنوي ونفسي ترفع من معنوياتهم كي يتمكنوا من مواصلة واجبهم الوطني والإنساني على أكمل وجه، حيث أن الصرامة في الإجراءات الوقائية الجسدية، وما تسببه المعدات الوقائية من تقييد جسدي، والشعور بصعوبة توفير الراحة للمصابين أو الذين يعانون من إجراءات العزل والوقاية الجسدية، والتنبه واليقظة المستمرين، والاحتياجات والمتطلبات المتزايدة في بيئة العمل بما في ذلك ساعات العمل الطويلة، وزيادة أعداد المرضى، والبقاء على اطلاع دائم على آخر المستجدات المتعلقة بأفضل الممارسات، ونقص القدرة الشخصية ومنسوب الطاقة الذي يعيق تطبيق أساسيات الرعاية الذاتية، والخوف لدى العاملين في الخطوط الأمامية أن ينقلوا العدوى لأصدقائهم... كل هذه الأمور وغيرها تشكل ضغوطاً نفسية عالية الشدة، والذي يسهم في إزاحتها ومدهم بالطاقة والحيوية هو الاحتضان والدعم والمؤازرة التي تتوجه إليه من لدن المسؤولين في الوزارة وغيرهم من مؤسسات الدولة، والمجتمع الذي تتحرك فيه هذه الكوادر وتقدم فيه خدماتها التي لا تقدر بثمن.
- مساحة المصابين / المتعافين من فيروس كورونا المستجد: إن عملية الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية من قبل المجتمع على درجة عالية من الأهمية لهذ الفئة. إذ الضغط والتوتر النفسي الذي صاحبهم أثناء فترة الكشف وانتظار نتيجة الفحص، ومن ثم فترة الحجر الصحي وما رافقه من برتوكولات علاجية صارمة ودقيقة على مدار الساعة من جهة، وشعورها الداخلي بما قد تتعرض له من رفض مجتمعي ناجم عن الوصمة تجاه الاشخاص المتعافين من فيروس كورونا المستجد من الجهة الثانية، كلها عوامل ضاغطة تستلزم رفع هذه المخاوف عنها والأخذ بيدها نحو العودة للحياة الاجتماعية الطبيعية، وتبصيرهم بأن ما أصابهم هو بقضاء الله وقدره، وبأن احتمالية الاصابة بهذا الفيروس لأفراد آخرين تظل احتمالية قائمة ما دامت أسباب انتشاره قائمة.
- مساحة ذوي المصابين: من غير شك فإن الحجر الصحي على فرد مصاب يمثل إعاقة لكل أفراد أسرته وذوي العلاقة معه، الكل خاضع للحجر الصحي الملزم، فالمصاب في المراكز المتخصصة، والأسرة يلزمها الحجر الصحي المنزلي. وأفراد الأسرة متفاوتون في العمر، والحالة الصحية، والمستوى التعليمي وبذلك تكون واقعة تحت تأثير ضغط وتوتر مرتفع، وهذا يتطلب من المجتمع مدّ أسرة المصاب بوسائل الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية لمساعدتها على تخطي عتبة الأزمة وعدم ممارسة ما يٌعرف بالتنمر تجاهها، خصوصاً في ظل انتشار وتفشي هذا الوباء وبسرعة مذهلة متخطيا الحدود والجغرافيا، ومع عدم الالتزام بالتعليمات الوقائية فإن أحداً ليس بمنأى عن الإصابة أو أحداً من أفراد أسرته لا قدر الله، من هذا المنطلق والمنطق ينبغي العمل على تهيئة المناخات النفسية السليمة لممارسة الدعم والمؤازرة لذوي المصابين لمساعدتهم على تجاوز الازمة وتداعياتها حسب الممكن.