الصفواني: تعلّمت ”حب الناس“ من والدتي.. و”حب العمل“ من أخي الأكبر
منذ نعومة أظافري التحقت ب ”اساتذة البناء“ واكتسبت خبرتهم.
عشقت البحر وزاولت مهنة الصيد ب ”الجاروف“ و”القمبار“.
الأعمال التطوّعية أخذتني من النشاط التجاري فكانت خياري الأفضل.
تجاوب المسؤولين ساهم في فتح المصارف الزراعية.
دمج الزراعة مع البيئة كان قرارا.
تعرّضت للغش التجاري من تجار الملابس المحليين فقصدت الاسواق الخارجية.
لقد نشأ يتيم الأب، لكن والدته وأخاه قاما بتنشئته وتربيته، وتعلّم منهما جملة من القيم والمباديء سار وفقها أبرزها حب الناس والسعي الدائم لخدمتهم، فضلا عن حلب العمل والمثابرة.. التحق بعدة أعمال منها الصيد وتجارة الأسماك والعمل في البناء، قبل أن يقضي عددا من السنوات في العمل المصرفي، ثم انتقل إلى العمل الحر.
حمل راية الحفاظ على البيئة والتحق بعدد من اللجان التطوعية، فكان عنصرا فاعلا، متحمّلا جملة من الصعاب.
إنه المصرفي، ورجل الأعمال جعفر بن أحمد الصفواني، الذي التقت به ”جهينة الإخبارية“ فكان الحوار التالي..
في البداية نود التعرف إلى شخصكم الكريم.
أنا جعفر بن أحمد بن عبد الحسين الصفواني، من مواليد مدينة صفوى سنة 1383 وبها نشأت وترعرعت، والتحقت بمدارس التعليم العام، عشت يتيم الأب، إذ توفي والدي إلى رحمة الله تعالى، حين ناهزت الثامنة من عمري، فتولّت والدتي وأخي الأكبر سعيد شؤون تربيتي، فجزاهما الله خيرا.
ما هي المبادىء التي استقيتها من حياتك العائلية الأولى؟
في تلك الفترة تعلّمت من والدتي حب الناس وخدمة المجتمع والصدق والأمانة، كما تعلّمت من أخي سعيد المثابرة في العمل، وهذه القيم بقيت معي، ولا زلت أسير بموجبه.
ولكن، كيف نشأ التوجه التجاري، أو حب العمل الحر؟
منذ المراحل الأولى للدراسة، كنت أزاول العمل التجاري، والذي يتم وفق كل مرحلة، ففي المرحلة الدراسية الابتدائية، ورغم صغر سني كنت أقوم بجذ ”الأسل“ من منابته في محيط سيحة صفوى الزراعية، وبيعه في سوق الخميس بالقطيف، والأسل كما تعلم نبات عشبي شوكي، يستخدم في صناعة الحصر والمفروشات الشعبية القديمة، كما يستخدم في بعض المصنوعات اليدوية، كالسلال وما شابه ذلك.. كما أنني في تلك المرحلة المبكرة من العمل كنت أزاول - مع بعض الأصدقاء - صيد الأسماك بالقمبار، وهذه الطريقة من الصيد تتم في الليالي التي يكون فيها القمر غير طالع، خاصة إذا كان الجو هادئا وليس به أية تقلبات مناخية مثل الأمطار والرياح القوية، التي تحول في الغالب دون العمل بالصيد، وحينما يكون الماء في حالة الجزر.. وفي تلك المرحلة أيضا كنت في أيام الإجازات أعمل مع أساتذة البناء المحليين، خصوصا وقت الخرسانة للأسقف أو للأعمدة، والتي يكون العائد منها أكثر، والوقت أقل بالمقارنة مع وقت وعائد العمل في البناء العادي كالترميم وصف الطوب أو حتى المساح والدهان، ففي العمل في الخرسانة التي نطلق عليها «الصبيّة» نحصل على 150 ريالا، بينما في الأيام الأخرى يحصل العامل على راتب يومي يناهز 100 ريال، وقد واصلت العمل خلال المرحلتين الدراسيتين المتوسطة والثانوية، إلى أن صارت لدي خبرة جيدة في البناء.
وماذا عملت في المراحل التي تلت المرحلة الابتدائية؟
كانت المرحلة الابتدائية مرحلة تأسيس، ترسخ من خلاله حب العمل، والسعي نحن طلب الرزق، لكن العمل تطوّر في المرحلتين الدراسيتين المتوسطة والثانوية، تركز النشاط على العمل في البحر، فهو أكثر استدامة من الأعمال الأخرى، فليس كل يوم يمكن أن تعمل في البناء، الذي قد يتوقف، لكن البحر قائم ودائم ومتاح للجميع في أي وقت، وكان العمل في «القمبار» بمثابة «بروفة» للعمل الدائم، وهو صيد الروبيان. ويحدث أن أدخل البحر ليلا، بعد يوم بناء شاق في النهار، وكانت وسيلة الصيد هي «الجاروف»، ومع كل عملية صيد، أقوم ببيع المنتوج في السوق.
وهل كان هذا العمل منتهى طموحك، أم كنت تخطط لشيء آخر؟
في الواقع كان أملي أن أنضم إلى عمال شركة أرامكو السعودية، لكن لم يحصل لي التوفيق، فعملت في بعض الوظائف في إحدى المؤسسات لمدة سبعة أشهر، وعملت مندوب مبيعات مع إحدى الشركات الأهلية، وذلك قبل أن أعمل في البنك الأهلي التجاري مدة عشر سنوات، بعدها قررت أن أستقيل، وأتفرغ لأعمالي الخاصة.
وكيف تمّت العملية؟ وفي أي المجالات؟
في سنة 1407 قمت بالشراكة مع أحد الزملاء، وأنشأنا مشروعا لبيع ملابس الأطفال، وسرنا في العمل خطوة وراء خطوة، وكانت الخسائر تترى علينا، إلى أن استقر المشروع، واستوى على سوقه، فتركني شريكي لظروفه الخاصة، وصرت المالك الوحيد لهذا المشروع، فقمت بتطويره وتوسعته، وحوّلته إلى مشروع لبيع الملابس النسائية.
رغم أنك موظف مصرفي، وكانت الأمور كما يبدو جيدة، ما الذي حدا بك لترك المهنة، والعمل في المجال التجاري؟
حينما كنت أعمل في القطاع المصرفي، اكتشفت أن الأعمال الحرة أكثر ربحا من أي عمل آخر، كما أني وبحكم القراءة، والدورة التدريبية، التي التحقت بها في غرفة الشرقية قرّرت أن أتوجه للعمل الحر، وكان قطاع ملابس الأطفال الخطوة الأولى في هذا المجال، فتوكلت على الله، وزاد إصراري على العمل، بعد أن صار المشروع ملكا لي وحدي فمن المحل، تمت التوسعة إلى عشرة محلات ولله الحمد.
وما أهم العقبات التي تعرضتم لها؟
في الحقيقة، المشروع الذي دخلته مع شريكي، كان ينقصنا من يرشدنا إلى الطريق السليم، فلم أكن ممن ورث المهنة من والده، فيحظى بالتالي بنصائحه وتوجيهاته، فكان علي أن ابحث وأدرس، وقد تعرّضت إلى تجارب إخفاق كثيرة؛ لأنني بدأت من الصفر، ومن يبدأ من الصفر، لابد وأن يتعرض إلى تجارب إخفاق متنوعة، وعلمتني هذه التجارب أن كل شيء لابد من دراسته من جوانبه كافة؛ لأنني سوف أتحمل نتائجه، فعلى سبيل المثال، ومن التجارب التي مررت بها، كنّا نجلب البضائع من مدينتي الرياض وجدة، وكان بعض التجار هناك يبيعوننا الملابس المنتجة سابقا، بوصفها موديلات حديثة، فكنّا نشتريها، ونشتري الورطة معها، وقد نبيعها بخسارة، هذا إذا حصلنا على من يشتريها، هذا ما دفعنا لأن نجري دراسة للسوق تجاه أي سلعة نرغب في تسويقها، فالخبرة الميدانية أفضل بكثير من الدراسات النظرية.
وماذا عملت لتوفر لديك إمكانية تجاوز مثل هذه العقبات، وعدم تكرار التجارب المحبطة؟
في تلك الفترة حضرت دورة تدريبية في غرفة الشرقية عن التسويق والمبيعات، أماطت اللثام لدي عن كثير من الحقائق، كما أن المطالعة وقراءة التجارب، فضلا عن بعض الدورات التي حضرتها خلال عملي المصرفي، وتجربة العمل في المؤسسات، التي تطرقت لها أسهمت بعد توفيق الله تعالى في أن أضع قدمي في المكان الصحيح، وأسير في طريقي بشكل أفضل، وأتجاوز كل تلك المنزلقات التي مررت بها، فأنا في النشاط التجاري لا أعمل بالثقة، وإنما بالدارسة والبحث والتريث، وكان هذا الأسلوب الذي اعتمدته منذ أن تحمّلت مسؤولية المشروع.
ألا تتفق معي أن بعض العقبات لا تأتي من الشخص نفسه، وإنما من الواقع المحيط في بعض الأحيان؟
هذا ما جرى لنا في وقت من الأوقات، ففي عام 1414 تم البدء في تنفيذ حي العروبة السكني بصفوى وكان العمل يتركز على 680 قطعة أرض، فالكل حينها بحاجة إلى السيولة للتوجه نحو العمران، أي أننا أمام 680 منزلا تحت الإنشاء، فليس للناس توجه لشراء الملابس، لذلك كنّا نبحث عن الملابس الضرورية التي يحتاجها الناس، أي التي تبيع نفسها مثل ملابس المواليد، فهذه عقبات تنتج عن تطورات بعيدة عن الخطط، وليست ضمن حساباتنا تماما
هل بقيت على هذا النشاط أم صار لك توجه آخر في النشاط التجاري؟
دخلت في القطاع العقاري، مع بعض الشركاء، وتخصصنا في بيع الشرائح الزراعية في بلدتي أبي معن وأم الساهك وسيحة الجعيمة، كما دخلت سوق الأسهم، وغادرته خاسرا، ويعود السبب إلى عدم وجود الوقت الكافي للمتابعة.. عملت في بعض الفترات في بيع العطور، ونجحت أيضا.
هل تركت نشاط الملابس، أم قمت بتطويره؟
لم أترك نشاط الملابس، ولكن قمت بتوسعة مصادر السلع، بدلا من الاقتصار على مدينتي الرياض وجدة، اتجهت صوب أسواق الصين وتركيا وسوريا ولبنان، وكلّها تغذي محلاتنا العشرة، والتي تقلّص عددها إلى ستة محلات؛ نتيجة الظروف المستجدة.
في الفترة التي عملت بها، كانت الأنظمة واللوائح التجارية الجديدة تقضي بتأنيث المحال النسوية وسعودتها، ماذا كان موقفك تجاه هذه القرارات؟
كنت من أوائل من تفاعل مع هذه القرارات، وقد قدمت مرئياتي حول إيجابيات وسلبيات تأنيث المحلات التجارية النسوية، ولازلت على هذا الطريق، ولم أتوقف، وأنا ولله الحمد ملتزم بالتأنيث، رغم الصعوبات التي تواجهنا في هذا السبيل، من قبيل عدم الالتزام من قبل بعض الموظفات، وبعضهن يتركن العمل مع أول راتب. بيد أن بعضهن لازلن يعملن في محلاتنا، وأنا ممن يطبق السعودة بشكل جيد، ومن هنا كنت أطالب منذ زمن طويل بوجود معاهد وكليات تدريب تسهل على الأشخاص الوصول إلى مواقع العمل، وما فتئت أطالب بتأنيث الرقابة النسوية من قبل الجهات المعنية.
ألم تتقدم للمشاركة في بعض المسابقات، من قبيل جائزة القصيبي لأفضل منشأة واعدة؟
لم أهتم بالحصول على الجوائز، كما لم أسع لتوسعة نشاطي التجاري أكثر من هذا، لسبب وجيه هو أنني متوجه للعمل العام، فأنا منذ صغري أحب مساعدة الفقراء، فالعمل لله يفتح لنا أبواب الرزق من غير أن نحتسب، فعملت لسنوات عضوا في اللجنة الزراعية بغرفة الشرقية، وصرت رئيسا للجنة، كما عملت عضوا في اللجنة الوطنية الزراعية بمجلس الغرف السعودية، وعملت في الدروة الماضية بمجلس أعمال القطيف «التابع لغرفة الشرقية»، وأعطيت جزءا من وقتي للاهتمام بالبيئة الزراعية والبحرية، كما كان لدي توجه مع بعض الزملاء من أجل فتح المصارف الزراعية في صفوى بالتعاون مع خمس جهات حكومية.. وسبق أن رشحت نفسي لعضوية المجلس البلدي فلم أوفق لذلك، وأنا الآن ضمن المجلس الأهلي بصفوى، وهو المعني بتطوير صفوى وتنميتها، وأنا المسؤول عن قسم البلديات، فلدي متابعات يومية مع أمانة الشرقية وبلدية صفوى والمجلس البلدي بالقطيف
ماذا يعني مشروع فتح المصارف الزراعية، وماذا يحمل من فائدة للمجتمع؟
من المعروف أن لكل منطقة زارعيه مصارف تصل الى البحر، أو إلى بحيرة معينة مثل بحيرة الأصفر بالأحساء، وفي صفوى منذ عدة عقود تم ردم المصارف من أجل تعبيد الشوارع، ما أدى إلى إقفال المصارف الزراعية، وتكبّد المزارعون كثيرا من الخسائر نتيجة تغيير منظومة الصرف الزراعي وإلغاء مناجي المياه التاريخية، رغم أن تصريف مياه الأمطار يتخذ من المصارف الزراعية مكانا له، ما يزيد من إتلاف المزروعات خلال موسم الأمطار، ما يسبب - أيضا - نفوق الحيوانات وجفاف المزروعات الموسمية. فعملنا بطلب من الأهالي على فتحها، ما أدى إلى نجاح العمل، وازدهار الزراعة في المواضع التي تعرّضت للإهمال نتيجة زيادة منسوب المياه السطحية فيها.
لقد كنت صيادا أسماك حين كنت صغيرا، وصرت تاجر ملابس نسائية حين كبرت. ما الذي دفعك للاهتمام بالبيئة، وما تريد من هذا التوجه؟
حين كنت صغيرا كنت أقوم بالصيد، اصطاد الطيور المهاجرة، وكنت أحبها، وأحب مشاهدتها، وكان ينتابني شعور بأن بقاءها محلقة من مكان إلى آخر أفضل من صيدها. لذلك نشأت عندي حالة من الاهتمام بالبيئة الزراعية والبحرية، وصرت أطالب وأسعى - قدر جهدي - لتطبيق القرارات الحكومية الرسمية الداعية للحفاظ على البيئة، خصوصا البحرية منها، وأنا اتواصل مع الجهات المعنية الداعمة لهذا الأمر، وبسبب هذه المتابعة بعد توفيق الله تعالى، ثم تفاعل المسؤولين صدرت قرارات جديدة تؤكد أهمية الحفاظ على الثروات الزراعية والبحرية، وأشير هنا إلى القرارات الحكومية الرشيدة، التي دمجت المكونات البيئية، فصارت وزارة البيئة والزراعة، وكان هذا في صميم رؤيتنا.
ما تأثير العولمة على نشاطك التجاري؟
لم أجد في العولمة تأثيرات سلبية، بل فتحت لنا آفاق عمل مع جهات أجنبية في دول الصين وتركيا وغيرهما من البلدان، لكن في الحقيقة لم أسع لأن أكون تاجرا كبيرا، بل أريد تقسيم وقتي بين العمل الربحي والعمل التطوعي، لذلك لم أعمد للتوجه للتصدير خارج المملكة.
ألم تتوجه للصناعة القريبة من التوجه في تجارة الملابس؟
حاولت لكني لم أستطع توفير المتطلبات والاشتراطات الكثيرة التي طلبتها منّي الجهات المعنية بالصناعة، فضلا عن أن المشروع الصناعي يتطلب توافر رأسمال كبير جدا، وهذا ليس بمقدوري في الوقت الحاضر.
بناء على كل ذلك، ما أبرز مشكلاتكم في النشاط التجاري الذي تعملون فيه؟
ارتفاع الإيجارات، وعدم استمرار العنصر الوطني في العمل، ومن يقصدوننا في الغالب، يكونون غير مؤهلين للعمل، ويحتاجون بعض الوقت حتى إتقان المتطلبات.