آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

النظرة الإيجابية للبلاء

عبدالله الحجي *

لايخلو أي بيت ولا إنسان شملته الرحمة الإلهية من صنوف البلاء في نفسه أو ماله أو أحد أعزائه حتى وإن بدت عليه علامات السعادة وارتسمت الإبتسامة على شفتيه أمام الآخرين. يختلف حجم البلاء ويتفاوت من هم يصيب الإنسان وخلافات أسرية أو اجتماعية وفقر ومرض وفقد عزيز وغيره، فكيف هي نظرتنا للبلاء؟

بالنظرة القاصرة وميزان البشر الدنيوي قد نغبط الإنسان الذي يعيش في نعمة دائمة ورغد من العيش ويتمتع بصحة وعافية ممن لايتسلل إليه المرض ولا يصيبه أي نوع من أنواع البلاء في نفسه وفي أهله وفي ماله، ولايُستبعد بأن يتمنى البعض أن يكونوا في حياة مماثلة منعمين بنعم الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها. لاشك بأنها أرزاق إلهية مقسمة من العدل الحكيم ولامانع بأن لاينسى الإنسان نصيبه من الدنيا بحيث لاتكون أكبر همه ولكن استمرار النعم وخلو الإنسان من البلاء لفترة طويلة مؤشر خطير لايبشر بالخير وينبغي الحذر ومراقبة ومحاسبة النفس.

الحذر من تتابع النعم

تتابع النعم على الإنسان من نعمة إلى أخرى هو من باب الاستدراج الإلهي للوقوع في المعاصي وينبغي الحذر منها ومراجعة الحسابات. وعندما يُصاب الإنسان بمختلف أنواع البلاء بين الحين والآخر فذلك بمثابة تنبيه له وايقاظ لعله يكون في غفلة وابتعاد عن الله عز وجل فيكون البلاء ليعيد توجيه البوصلة ويتقرب أكثر إلى رب العالمين الذي يشتاق لسماع صوت عبده ليرفع درجته ومنزلته.

قال الإمام علي : يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره. [1] 

قال الإمام علي : إذا رأيت الله يتابع عليك البلاء فقد أيقضك، إذا رأيت الله يتابع عليك النعم مع المعاصي فهو استدراج لك. [2] 

لاحاجة لله فيهم

والبعض يذهب إلى أبعد من ذلك ويتواخذ ويقارن حياة الكافر الذي ليس لله فيه من حاجة مع المسلم، فمن يسافر إلى بعض البلدان يعود بانطباع بأن الكافر منعم في عيشه وفي البيئة التي يقطنها. وما أجمل وأوضح الإجابة في حديث الإمام الصادق بأن الله ليس له حاجة حتى في صداع الكافر.

عن الإمام الصادق : قال رسول الله ﷺ: قال الله عز وجل: لولا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا. [3] 

وقال الإمام علي : لا حاجة لله فيمن ليس لله في ماله ونفسه نصيب. [4] 

البلاء على قدر الإيمان

العلاقة بين البلاء والإيمان علاقة طردية فالأنبياء هم أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل وكلما زاد الإيمان زاد البلاء.

عند أبي عبد الله سُئل رسول الله ﷺ من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال: النبيون ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه. [5] 

قال الإمام الصادق : اِنَّما المؤمنُ بِمنْزلةِ كفّةِ الميزان، كلّما زيدَ في ايمانِهِ زيدَ في بلائِهِ. [6] 

قال رسول الله ﷺ: ما كرم عبد على الله إلا ازداد عليه البلاء. [7] 

البلاء كتعاهد الرجل أهله بالهدية

من شدة رحمة الله بعباده ورد في الروايات مايدل على أن البلاء ليس نقمة وعذاب من رب العالمين بل تم تشبيهه برحمة الأم عندما تغذي ولدها باللبن وبعطف وتعاهد الرجل أهله بالهدية.

قال رسول الله ﷺ: إن الله ليغذي عبده المؤمن بالبلاء كما تغذي الوالدة ولدها باللبن. [8] 

عن أبي جعفر قال: إن الله عز وجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. [9] 

البلاء خير ورحمة وعلو المنزلة

كل بلاء هو تعبير عن الحب والخير من الله عز وجل لعبده وتتفاوت فترة البلاء منها ماتكون قصيرة جدا ومنها ماتمتد على مدى أيام وأسابيع وأشهر وسنوات وكلما طالت المدة تضاعف الأجر عند أكرم الأكرمين.

قال رسول الله ﷺ: إذا أراد الله بقوم خيرا ابتلاهم. [10] 

قال الإمام الصادق : إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده. [11] 

عن أبي عبد الله قال: إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلا بإحدى خصلتين إما بذهاب ماله، أو ببلية في جسده. [12] 

الإمام الصادق - فيما أوحى الله تعالى إلى موسى -: ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، فإني إنما ابتليته لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي. [13] 

الإمام الباقر : ما أبالي أصبحت فقيرا أو مريضا أو غنيا، لأن الله يقول: لا أفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له. [14] 

البلاء كل أربعين يوم

كثير من الروايات ذكرت تعاهد الإنسان بالبلاء كل أربعين يوم بأي نوع من البلاء وإن كان شوكة أو عثرة أو خدشة أو هم. من طبع الإنسان أنه يتقرب إلى الله عندما يمسه الضر والبلاء ولكن سرعان ماينسى ويصيبه الفتور عندما يكشف الله ضره، ولعل تناوب البلاء بين الفينة والأخرى ليبقى الإنسان على اتصال وقرب دائم من الله عز وجل. قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦۤ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَاۤئمࣰا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ ىَدۡعُنَاۤ إِلَىٰ ضُرࣲّ مَّسَّهُۥۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ زُىِّنَ لِلۡمُسۡرِفِىنَ مَا كَانُوا۟ ىَعۡمَلُونَ [15] 

قال الإمام الصادق : الْمؤمِنُ لا يمضي عليه اَرْبعونَ لَيلةً، اِلّا عَرَضَ لَهُ امرٌ يحزُنُه يذكرّ بِهِ. [16] 

عن أبي عبدالله : ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء، إما في ماله أو في ولده أو في نفسه فيؤجر عليه، أو هم لا يدري من أين هو؟. [17] 

عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ يوما لأصحابه: ملعون كل مال لا يزكى، ملعون كل جسد لا يزكى ولو في كل أربعين يوما مرة، فقيل: يا رسول الله أما زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد؟ فقال لهم: أن تصاب بآفة، قال: فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه، فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم: أتدرون ما عنيت بقولي؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: بلى الرجل يخدش الخدشة وينكب النكبة ويعثر العثرة ويمرض المرضة ويشاك الشوكة وما أشبه هذا حتى ذكر في حديثه اختلاج العين. [18] 

تأخر استجابة الدعاء خير وصلاح للعبد

عندما يصاب الإنسان بالبلاء يتقرب أكثر إلى الله ويجتهد في الدعاء ليخلصه الله مما ابتلاه به ولكن قد تتأخر الاستجابة وتطول فترة البلاء لماتقضيه المصلحة والحكمة الإلهية فكما ورد في دعاء الإفتتاح «فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور». وهذا ما أكدته الروايات.

عن أبي جعفر : إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا وثجه ثجا فإذا دعاه قال لبيك لئن عجلت ما سألت إني على ذلك قادر ولئن أخرت فما ادخرت لك عبدي خير لك. [19] 

عن أبي عبد الله قال: إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته، شوقا إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي! دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب. [20] 

عن عبدالله بن أبي يعفور قال: شكوت إلى أبي عبد الله ما ألقى من الأوجاع - وكان مسقاما - فقال: لي يا عبدالله لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمني أنه قرض بالمقاريض. [21] 

كل خير كان يعمله قبل البلاء يُكتب له أثناء البلاء

عن أبي جعفر قال: قال النبي ﷺ: إن المسلم إذا غلبه ضعف الكبر أمر الله عز وجل الملك أن يكتب له في حاله تلك مثل ما كان يعمل وهو شاب نشيط صحيح ومثل ذلك إذا مرض وكل الله به ملكا يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحته حتى يرفعه الله ويقبضه وكذلك الكافر إذا اشتغل بسقم في جسده كتب الله له ما كان يعمل من الشر في صحته. [22] 

عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله عز وجل للملك الموكل بالمؤمن إذا مرض: اكتب له ما كنت تكتب له في صحته فإني أنا الذي صيرته في حبالي. [23] 

أنواع البلاء وكيفية التعامل معه

أنواع البلاء مختلفة ودرجاته متفاوتة منها مايصيب الإنسان نفسه ومنها مايصيب قريب وعزيز. قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. [24]  لقد بشر الله الصابرين الذين يحسنون التصرف والتعامل مع مايصيبهم من مصائب بشمولهم بالصلوات والرحمة والثواب الجزيل منه عز وجل. ولكي يجتاز الإنسان هذا الإمتحان الإلهي عليه أن يتحلى بالصبر الجميل مبتعدا عن الجزع والشكوى للناس، وعليه أن يسلم بقضاء الله وقدره ويفوض أمره إلى الله ويكثر من الحمد والثناء لله عز وجل ويتقرب إليه بالتضرع والدعاء والتوسل بأهل بيت الرحمة والمواظبة على الصدقة فإنها تدفع البلاء. قال رسول الله ﷺ: «الصدقة تدفع البلاء وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد ابرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة». [25] 

[1]  نهج البلاغة: الحكمة 25



[2]  ميزان الحكمة 305/1 - غرر الحكم 4046 - 4047



[3]  الكافي 257/2



[4]  نهج البلاغة 30/4



[5]  الكافي 252/2



[6]  بحار الأنوار 210/67



[7]  بحار الأنوار 28/93



[8]  بحار الأنوار 195/78



[9]  الكافي 255/2



[10]  ميزان الحكمة 305/1



[11]  بحار الأنوار 237/64



[12]  الكافي 257/2



[13]  ميزان الحكمة 309/1



[14]  بحار الأنوار 151/68



[15]  سورة يونس 12



[16]  الكافي 254/2



[17]  بحار الأنوار 237/64



[18]  الكافي 258/2



[19]  الكافي 253/2



[20]  الكافي 490/2



[21]  الكافي 255/2



[22]  الكافي 113/3



[23]  الكافي 113/3



[24]  سورة البقرة 155 - 157



[25]  بحار الأنوار 137/93