آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

شهقة اليائسين من الحياة

جواد المعراج

قد يواجه الإنسان في مسيرة حياته مواقف وتجارب صعبة قد تؤدي به في نهاية المطاف إلى الاستسلام إلى الأفكار الانتحارية، ولكن بقوة الإرادة والعزيمة يستطيع الإنسان التغلب عليها كي لا يقع فريسة لمثل هذه الأفكار التي بمثابة موجات جارفة تحاول ترسيخ أفكار غير واقعية في عقل الفرد ومخيلته، وذلك حتى تجعله يخسر ذاته ويفتقد القدرة على التوازن النفسي والعقلي، وربما تؤدي به إلى قتل نفسه عمداً في حال عدم قدرته على التخلص منها.

ونجد قسمًا من الناس يعيشون الشقاء والتعاسة لعدم قدرتهم على تحمل مختلف المسؤوليات، وحل مشاكلهم والتكيف مع ظروفهم القاسية، مما أدى بهم إلى انخفاض تقدير ذواتهم، ونتيجة ذلك تجدهم يلقون اللوم على الناس بسبب فشلهم في حل مشاكلهم النفسية أو المادية، بدلًا من أن يلقوا اللوم على أنفسهم، فإذا لم تكن لدى الفرد القدرة على التخلص من هذه النظرة السلبية والكف عن الاستخفاف بنفسه، ستسيطر عليه الأفكار الانتحارية، وتمنعه من العيش بنشاط وحيوية، وتحقيق الرضا، والقناعة، والسعادة بشكل تدريجي.

كل هذه الأفكار السوداوية التي تراود بعض الناس تتوقف على طبيعة الظروف والبيئة المحيطة، وكل شخص يختلف عن الآخر من ناحية المشاكل وأنواع الضغوطات والمشاعر، والكثير من الناس أدى بهم الأمر إلى التفكير في الانتحار بسبب تأنيب الضمير، فمن الضروري جدا التعرف على الأخطاء المرتكبة في الماضي، وأيضاً التركيز على إصلاح الذات دون الانشغال بالآخرين وإلقاء اللوم عليهم في حال الفشل في تحقيق أي هدف معين، أو حل مشكلة معينة يعاني منها الشخص في حياته اليومية.

وكل شخص يريد إشباع احتياجاته الخاصة وميوله الذاتية، ولكن هناك فئة من الناس لا تستطيع فعل ذلك لعدم قدرتها على التحكم في أفكارها، فهذه كما قلنا الأفكار الانتحارية ستجعل الإنسان يفقد خاصية التغيير الذاتي، وعند فقدان هذه الخاصية سيعيش في حالة متكررة من الفشل والإحباط مما يجعله يتجه إلى إشباع رغباته بأشياء سلبية بدلًا من محاولته للتغيير الإيجابي، حيث إنه سيتعود على تقريع ذاته حتى ينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى التفكير في قتل نفسه بعدة وسائل نتيجة الأوهام التي تعشعش في دماغه.

ومن بعض العلامات التحذيرية التي تدل على أن الشخص لديه أفكار أو سلوكيات قد تنبئ عن التفكير في الانتحار، وهي كالآتي:

«1» المعاناة من التقلبات المزاجية الحادة.

«2» عدم قدرة الشخص على مواجهة الموقف أو التجربة الصعبة التي يعاني منها في الفترة الحالية.

«3» الصعوبة في التركيز.

«4» الإحساس الدائم بالقهر والغضب.

«5» الخوف من التواصل مع الآخرين، والميل إلى الانطواء والعزلة دائماً.

«6» الشعور بالندم والحزن الشديد.

«7» عدم القدرة في على التحكم في التصرفات، والازدواجية في اتخاذ القرارات.

«8» فقدان الرغبة في القيام بالأعمال والنشاطات اليومية.

«9» ترتيب إحدى الوسائل التي يتم من خلالها قتل النفس بها عن عمد مثل تجهيز سكينة حادة، وذلك من أجل تقطيع شريان اليد.

«10» الإحساس الدائم بالعجز والضعف والفشل في الحياة.

«11» التفريط أو الإفراط في الشعور بالذنب، كأن يعتقد الإنسان أنه يشكل عبئاً على الآخرين.

«12» فقدان الاهتمام بالنفس أو عدم الاهتمام بالمظهر الخارجي.

«13» التهور والاندفاع في السلوك.

ومن الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى التفكير في الانتحار هي الشعور بالاكتئاب والقلق المرضي، والظروف المادية الصعبة، كالفقر الشديد وقلة الحيلة؛ فضلاً عن ضعف الوازع الديني، أي البعد عن الله عز وجل، وكذلك الشعور باليأس الشديد يؤدي إلى التفكير في الانتحار، وذلك من خلال تعزيز السلوك الاندفاعي لدى الإنسان، وزيادة احتمالية الاتجاه للأفعال النابعة من الميل إلى تدمير الذات، وعلاوة على ذلك المعاناة النفسية الذي تعرض لها بعض الناس بحجة الفشل وفقدان الأمل في تحقيق بعض الأهداف المستقبلية، وعدم قدرتهم على الصمود أمام الظروف الضاغطة، وبسبب الإجهاد الناتج عن الضغط العصبي أو التوتر أو القلق أو المشاكل المادية، وغيرها من أسباب كثيرة لا يكفي ذكرها في مقالة بل تحتاج إلى بحث علمي كامل ودقيق وميداني.

وسأورد لكم مجموعة من النقاط للتوعية والوقاية من الانتحار، والتغلب على الإحباط واليأس، والقلق والتوتر الزائد، وذلك من أجل التخلص من الأفكار والمشاعر السلبية، ومنها:

«1» معالجة المشاكل المادية والشخصية والنفسية وغيرها من مشاكل كثيرة، يتطلب الصبر، وسعة الصدر، ودراسة جميع الاحتمالات، وعدم الانخراط بشكل فوضوي أو عشوائي، فإن المعالجة الناقصة تولد حلولاً مستعجلة، وغير فعالة، وخصوصاً وأن التحرك المنطلق من أفكار وسلوكيات متطرفة يؤدي بالشخص إلى التهور والخسارة من جميع الجوانب الحياتية بشكل كبير، حيث يعمد البعض لاتخاذ معالجات سريعة، مما ينعكس بصورة مباشرة على النتائج النهائية، إذ يعمد البعض لاتخاذ قرارات غير سليمة، ولا تنسجم مع الحلول العقلانية، وبالتالي يؤدي بهم الأمر إلى التفكير في الانتحار.

«2» الانخراط بالأنشطة الاجتماعية والأعمال التطوعية، وتوسعة العلاقات الإنسانية مع الناس، لأن مثل ذلك تساعد الإنسان على التخلص من الفراغ والملل الشديد، وتمكنه من التغلب على الأفكار الانتحارية التي تحاول أن تسيطر عليه، وتدمر حياته الشخصية والاجتماعية.

«3» تعزيز الثقة بالذات عن طريق محاولة اكتشاف نقاط القوة، وذلك كي يتم التخلص من نقاط الضعف التي تدمر التفكير وتفسد النفسية.

«4» الحرص على التقرب إلى الله تعالى أمر مهم جدًا لأنه يساعد على تحسين التفكير والنفسية نحو الأفضل.

«5» ممارسة الرياضة البدنية، كالمشي أو التسجيل بالصالة الرياضية «الجيم»، لأنها تزيد من معدل النشاط العقلي وتحسن المزاج السيئ.

«6» الانشغال بممارسة هواية معينة وخصوصاً في أوقات الفراغ، على سبيل المثال القراءة كقراءة الكتب التي تتمحور حول الحقول الثقافية والعلمية والنفسية وغيرها من كتب أخرى، فإن للقراءة دوراً في تنمية النشاط الفكري والذهني، بالإضافة إلى ذلك تجلب المنفعة الفكرية والمتعة النفسية والتنمية العلمية.

«7» تحفيز الذات وذلك عن طريق التشبث بالعبارات التحفيزية والتشجيعية، فإن هذا الأمر سيبث في الإنسان نوعاً من الحماس والنشاط العقلي والمعنوي، ويمكنه من تحطيم العديد من الحواجز العقلية والنفسية.

«8» البقاء على تواصل مع الأصدقاء المقربين، أو التواصل مع أشخاص مروا بتجارب صعبة وتغلبوا عليها بطرق وحلول فعالة، وذلك من أجل الاستفادة منهم، والمساعدة على التخلص من الهموم والترويح عن النفس.

وبناء على ما تم ذكره من منظمة الصحة العالمية، يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عامًا، وذلك دليل على استفحال ظاهرة الانتحار لدى المراهقين، ويمثلون 35% وأكثرهن إناث، وكذلك الفئة التي تسيطر عليها شكوى الميول الانتحارية تتراوح بين 16 و22 عامًا، وأيضا يلقى ما يقارب 800000 شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار، ومقابل كل حالة انتحار هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الانتحار كل عام وتمثل محاولة الانتحار السابقة أهم عامل خطر لعموم السكان، كما يعد الانتحار ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عامًا، وأن البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل تستأثر بنحو 79% من حالات الانتحار في العالم.

بالإضافة إلى ذلك نشير إلى ما أوضحه سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف من منطقة القطيف، حول مسألة الانتحار قائلاً: إن تراكم الهموم والمشاكل، وعدم القدرة على إيجاد الحلول الفعالة للخروج من المشاكل الكبرى التي يعاني منها الشخص تؤدي به إلى التفكير في الانتحار، فكلما ازدادت وكبرت وكثرت المشاكل، وأصبحت خارج السيطرة، فإن هذا الأمر يجعل الإنسان يقلق كثيرا، ويشعر بالسخط على كل شيء، ويجعله يميل إلى العزلة، ويجد صعوبة في التواصل مع الآخرين، وبالعادة تغلبه مشاعر الحزن والخوف والأفكار السلبية دون سبب، وعلاوة على ذلك عدم قدرة الشخص على السيطرة على انفعالاته.

والحل الأمثل للتغلب على ذلك لا بد من مراجعة أهل التخصص في علم النفس لتشخيص الحالة المرضية عند الشخص، وتقديم العلاج المناسب له، ثم الاستفادة من العلاج بالدين، لأنه أفضل علاج لمثل هذه الأمور من خلال المعالجة بالروحانيات والتقرب إلى الله تعالى بالعبادة، وأيضاً تشجيع الشخص على الاختلاط بالناس، وتعديل ميوله الشخصية الخاطئة وإحلال الأفكار الإيجابية بدلاً عنها.