التسامح وثقافة الانعزال
لعل أكبر عقبة تواجه ثقافة التسامح عند البعض، عقبة الموروث الديني والتي تشكلت معالمها التاريخية عبر النظام السياسي بالراصد والتحكم على رقاب رجال الدين في الدفع نحو الدفاع عن الكرسي والتأكيد على طاعة الحاكم ضد الثورات والانتفاضات والتمرد من قبل الآخر، بل وصل الأمر أبعد من ذلك وهو التكفير والخروج من دائرة الإسلام باعتبار أنهم مرتدون أو لنقل التأليب على سياسة الدولة، ولهذا من الصعب قراءة التاريخ بحادية مطلقة، كون الظروف في تلك الحقبة سارت كما يشتهي المتحكمون تلك العقبة عالقة في الأذهان، حتى هذه الساعة ولا يمكن بحال من الأحوال القفز عليها لما قالوا رجال الدين في الكتب المعتبرة والتي يقطعون بصحتها.
في كتاب مصادر التلقي وأصول أصول الاستدلال العقدية للكاتبة إيمان العلواني لفتة مهمة في هذا الجانب، وهي التنويه على المصادر المعتبرة في الأخذ والرد بعيدا عن التعبئة والتعبئة المضادة على ما صح في كتب الطرفين، وأن يكون العامل المشترك بين المسلمين التسامح وليس التخاصم، مؤكدة على عدم الاتفاق مادام الشرخ ضرب صلب العقيدة، وبالتالي من الصعوبة بمكان الوصول إلى نقطة التلاقي الغائبة، ما يهمنا في هذا الصدد السير قدمًا نحو ثقافة الانعزال والتي مازالت قائمة بحذافيرها والعقبة تلي العقبة ولا أدري هل سيصلح حال المسلمين أم نحن بحاجة للنموذج الغربي حتى يعم الحب والسلام والود بين ما يرى نفسه وصيًا على الناس.
أذكر في سؤال للسيد محمد حسين فضل الله حول قاعدة التسامح في السنن، وكان جوابه كالتالي تعني قاعدة التسامح نوعًا من التساهل في التدقيق في أمر الروايات التي لا تحتوي على نصوص إلزامية من واجبات ومحرّمات، فإذا جاءت رواية تتحدّث عن مستحب لم يبلغ حدّ الوجوب والإلزام، فإنّ فريقًا من العلماء لا يبذل جهدًا في البحث عن مصدرها وسندها وتحديد فرص صدورها وعدمها، والبحث في إثباتها التاريخي، أي إنّ تلك الشروط التي درسها العلماء في مباحث أخبار الآحاد وفي علم الحديث والدراية يتنازلون عنها عندما يكون مضمون الخبر أمرًا غير إلزامي من مستحب أو مكروه، بالنتيجة هي مساحة يجب علينا التحرك منها وإليها بدون إعلان حرب.