وقود الاصلاح الحسيني «36»
الشهيد زاهر بن عمرو الكندي
قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ 207. وجاء في سورة الحشر: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ 23. وقال الإمام الحسين : «من كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا». «[1]»
مازلنا مع أصحاب الامام الحسين الذين اختفت أكثر تفاصيل سيرهم عن منابرنا الحسينية، والذين استشهدوا مضحين بأنفسهم في سبيل معتقدهم، مقدمين أرواحهم فداء لإمامهم، رغم أن إمامهم مطلوب وحده، ولو ظفر به ما أبه بغيره. ونحن هنا نحاول تجميع سيرهم المتناثرة بين صفحات التاريخ، ولو إنها زهيدة لا تشفي عطش الباحث ولا نهم المحقق، وقد تكون كتبت بأيدي معادية لفكر الإمام الحسين .
لا يخفى أن شهدائنا هؤلاء كانوا نماذج بشرية، أصبحت شوكة في عيون الجائرين والمعتدين على حقوق المساكين، نماذج أوجدت نهجاً تحررّياً مشبعاً بروح التقوى والإخلاص، ظل على مدى التاريخ سبباً في سلب النوم من عيون الجبابرة والمتكبرين، يقض مضاجعهم على الدوام، وهذه النماذج قد أظهرت هوية إنسانية جديدة، قدمها الحسين درساً في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين.
وبين أيدينا الجوهرة السادسة والثلاثين من هذه السلسلة المباركة، جوهرة التحقت بركب شهداء الإصلاح الحسيني، وكانت ضمن الذين استشهدوا في الحملة الاولى في يوم عاشوراء، ومن جملة الأصحاب الغَيارى الذين دافعوا عن الحقّ، وُلبّوا نداءَ إمامهم سيّد شباب أهل الجنة سلام الله عليه وهو:
الاسم: زاهر بن عمرو الكندي
الوفاة: 61 هـ.
سبب الوفاة: الاستشهاد يوم عاشوراء
سبب الشهرة: من صحابة النبي ﷺ، والإمام علي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي، ونصرته للإمام الحسين واستشهاده معه.
اللقب: الكندي «[1]»
اختلف الرجاليون وأصحاب السير في اسمه، لذا ذكروه بعدة صيغ: زاهر بن عمرو الأسلمي الكندي، وذكره ابن سعد في طبقاته باسم: زاهر أبو مجزأة بن زاهر الأسلمي. وترجم له ابن حجر العسقلاني بعنوان: زاهر بن الأسود بن حجاج بن قيس الأسلمي، والد مجزأة. وذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب باسم: زاهر الأسلمي أبو مجزأة بن زاهر، وهو زاهر بن الأسود بن حجاج بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي. وذُكر أيضا باسم: زاهر بن عمر الأسلمي الكندي. وقيل الأسلمي: نسبة الى أسلم بضمّ اللام قبيلة من الأزد من الأنصار، وبالفتح قبيلة من قضاعة. وقيل الكِندي: نسبة إلى كندة، وهي قبيلة مشهورة من اليمن تفرقت في البلاد، وكان منها جماعة من المشهورين في كل فن. «[1]»
هو من صحابة النبي ﷺ الذين بايعوه بيعة الشجرة، وهو صاحب عمرو بن الحمق الخزاعي، سكن الكوفة، وروى عن النبي ﷺ في النّهي عن أكل لحوم الحمر الإنسيّة، وشهد مع النبي ﷺ الحديبية وخيبر. ومن أصحاب الإمام الحسين الذين استشهدوا معه يوم عاشوراء. وقال السماوي: كان زاهر بطلاً مجرّباً وشجاعاً مشهوراً ومحبّاً لأهل البيت معروفاً.
وقال أهل السير: أن عمرو بن الحمق لمّا قام على زياد قام زاهر معه، وكان صاحبه في القول والفعل، ولمّا طلب معاوية عمرو طلب معه زاهراً فقتل عمرو وأفلت زاهر. وذكر علماء الرجال: أن من أحفاده محمّد بن سنان الزاهري صاحب الرواية عن الرضا والجواد ، المتوفي سنة مائتين وعشرين. «[1]» وروى الطبري: كان زياد بن أبيه على المنبر فحصبه عمرو بن الحمق بالحصى وأعانه على ذلك زاهر بن عمرو، فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر، فضرب رجل «من الحمراء» يقال له ”بكر بن عبيد“ رأس عمرو بعمود فوقع، فعجّل إليه ناس من الأزد فطافوا به. وأتاه أبو سفيان بن عويمر والعجلان بن ربيعة وهما رجلان من الأزد فحملاه، فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له ”عبيدالله بن مالك“ فخبّأه بها. فلم يزل بها متواريا ً الى أن أرسل معاوية إلى زياد بحبس عمرو بن الحمق وصاحبه زاهر بن عمرو وسوقهما إلى الشام، فلم يظفر بهما زياد. فخرج عمرو بن الحمق من الكوفة متخفّيا ً واختبأ بغار قريب من الموصل، فبلغ العامل خبرهما فأرسل في طلبهما، فلم يقو عمرو على الفرار ولكن زاهر استوى على فرسه فناداه عمرو: ما تريد أن تصنع؟ فقال زاهر: أذب عنك بسيفي، فقال: وما يغني سيفك عنّي وعنك، ولكن انج بنفسك من القوم، فحمل عليهم زاهر واجتازهم عودا ًعلى فرسه فخالوه عمرو بن الحمق لذلك لمّا قبضوا عليه. فسألوه: من أنت؟ قال: أنا من إن تركتموه كان خيراً لكم، وان قتلتموه كان شرّاً لكم، فما عرّفهم بنفسه، فساقوه الى عامل الموصل عبدالرحمن بن عثمان الثقفي، المعروف بابن أُمّ الحكم وهو ابن اخت معاوية، فعرف عمرو فكاتب معاوية بقصّته، فأرسل اليه معاوية ان عمرو بن الحمق طعن عثمان بخنجر فافعل به ما فعله بعثمان، ثم أخرجوه وطعنوه بخنجر فمات بالطعنة الثانية. وقال القاضي النعمان المصري في دعائم الاسلام: هرب عمرو بن الحمق من معاوية الى الجزيرة وصاحبه رجل من اصحاب علي يُدعى زاهر بن عمرو الكندي، حتّى اذا أراحوا ليلاً في أحد الوديان لدغت حيّة عمرو، فلمّا أصبح كان الورم قد استشرى في بدنه كلّه، فقال لزاهر: ابتعد عنّي ما استطعت واتركني لان حبيبي رسول الله ﷺ أخبرني إنّ الجن والانس يشتركان في دمي، وبناء على هذا فإني مقتول لا محالة، فقد بان لي من شدّة سريان السمّ في جسمي أنها آخر أيامي من الدنيا وانا ميت حتما، وسيصل العدو هذه الساعة.
فبينما هما يتحاوران وإذا بآذان الخيل قد ظهرت، وهي تطلبهما، فقال عمرو: قم يا زاهر واستخف حتى أُقتل ويفصلوا رأسي عن جسمي، فإذا تركوني فوار جسدي. فقال زاهر: لا أفعل ذلك أبدا، فلن أفارقك ولن أتخلّى عن نصرتك وسأناضلهم حتّى آخر سهم، فاذا فنيت سهامي أُقتل معك. فقال له عمرو بن الحمق: أقسمت عليك ألاّ تفعل إلا ما أقول لك، لأن ذلك ينفعك منفعة كبرى. ولمّا فرغ عمرو من حديثه أطاعه زاهر واختبأ عن عدوّه، ثم قطعوا رأس عمرو بن الحمق ورفعوه على رأس الرمح وحملوه من بلد الى بلد الى ان بلغوا به الشام. وقال في «نفس المهموم»: فظهر ان زاهرا ً كان من أصحاب أمير المؤمنين وخصّ بمتابعة عمرو بن الحمق الخزاعي - ولهذا قيل له مولى عمرو بن الحمق فالمولى في هذا المقام بمعنى التابع. «[2]»
التحق بالإمام الحسين بعد أن لقيه في الحج سنة 60 هـ وبقي معه إلى يوم الطف. «[1]»
عد ابن شهر آشوب زاهر بن عمرو مولى عمرو بن الحمق من المقتولين من أصحاب الحسين، في الحملة الأولى. وقال المازندراني: إنّ المقتولين من أصحاب الحسين في الحملة الاُولى خمسون رجلاً، أحدهم زاهر ابن عمرو، مولى عمرو بن الحمق الخزاعيّ. «[1]»
ورد السلام عليه في زيارة سيد الشهداء في أول يوم من رجب وليلته، والنصف من شعبان بقول: السَّلَامُ عَلَى زَاهِرٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ. وقال الإمام المهدي في زيارة الناحية المقدسة: السَّلَامُ عَلَى زَاهِرٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ. «[1]»
وهنا تنتهي حلقتنا السادسة والثلاثون باستشهاد ”زاهر بن عمرو الكندي“، مناصر لأبي الضيم وابو الأحرار ومدافع عنه، بل مناصر للحق الالهي، فار من نار سعرها جبارها لغضبه، إلى جنة عرضها السماوات والارض، أعدها ربها لرحمته.