آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

العلاقة بين مستوى التعليم ومستوى التدين

بسام المسلمي *

ربما ستسمع بعضاً من الناس يتساءل أمامك: هل تلاحظ معي بأنه كلما زاد مستوى التعليم أو الثقافة للفرد عندنا، كلما قلّ وتدنى مستوى تدينه والتزامه بذلك الدين أو المذهب الذي ينتمي إليه؟ ولا أقول الاعتقاد بالخالق ووجوده، لأن ذلك موضوع آخر ليس له صلة بما أطرحه هنا. فالمقصود بالتدين هنا إما الاعتقاد بالدين نفسه وما يتعلق بذلك من أمور عقائدية في ذلك الدين وإما ممارسة الطقوس الدينية الخاصة بذلك الدين كالصلاة جماعة وجمعة في المسجد وتنظيف الأسنان بالسواك والاعتمار والصيام في الدين الإسلاميّ. وليس من الغريب أن تجد مفكراً أو بروفيسوراً كتب عن الإسلام ما لم يكتبه المشايخ ورجال الدين من عمق وغزارة، ومع ذلك فهو لا يلتزم بالطقوس الدينية ولا يحرص عليها كما يحرص عليها رجال الدين. فالعقاد كتب ودافع عن الإسلام ورجالاته الكثير والأصيل الجديد، بغض النظر عن اتفاقك مع ما كتب فلا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، الذي، ربما، لم يسبقه فيه أحد ومع ذلك، فإن العقاد وبسبب عدم حضوره صلوات الجُمع والجماعة، قِيل عنه بأنه آمن قلمه، ولكن لم يؤمن قلبه! وسواء كان هذا الخبر صحيحاً أم لا، فإنه يعبِّر عن فكرة مختزنة لدى بعض الناس الذين لم يستطيعوا هضم كتابات العقاد عن الإسلام وعدم التزامه وحرصه على آداء طقوسه. فهم اتهموا قلبه بعدم الإيمان لأنه لم يؤدِ الطقوس الإسلامية أو بعضها كما يجب من وجهة نظرهم. فمن هم على شاكلة العقاد من مفكرين وأكاديميين ربما يرون أن قضاء ساعات من أجل تأليف كتاب أو القيام ببحث أو تجربة علمية أجدى نفعاً من القيام ببعض الطقوس أوالشعائر الدينية، خاصة المستحبة، الكثيرة جداً في الإسلام على وجه الخصوص.

بطبيعة الحال، فإننا لا نستطيع أن نجزم بأن ملاحظة وتساؤلات أولئك الناس عن العلاقة المتعاكسة بين مستوى التعليم الأكاديمي وبين مستوى التدين خاطئة أو صائبة دون أن نعود إلى الأبحاث والإحصاءات العلمية المحكَّمة الدقيقة.

وبحسب أحد المواقع الإلكترونية، فإن دراسة العلاقة بين مستوى التعليم ومستوى التدين بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين. وقد جاءت النتائج متضاربة بل ومتعاكسة في كثير من الأحيان، وذلك بسبب صعوبة قياس مستوى التدين بشكل علمي، على الخلاف من مستوى التعليم الذي يمكن رصده وقياسه حيث إن البيانات والمعلومات المتعلقة بالمتعلمين متاحة للجميع في كثير من الدول. وكذلك، بسبب الاختلاف في تعريف التديَّن وطريقة قياسه: فهل هو بمدى تطبيق الدين كالذهاب إلى دور العبادة والصلاة وغير ذلك، أو هو بمدى قوة الاعتقاد بعقائد وركائز ذلك الدين كالاعتقاد بالمعجزات والكرامات وما إلى ذلك. وقد أشارت دراسة في بعض الدول الغربية إلى أن قوة الاعتقاد تقل بارتفاع مستوى التعليم، ولكن، وعلى النقيض من ذلك، فإن آداء الطقوس وحضور أماكن العبادة أخذ في التزايد مع ارتفاع مستوى التعليم. وفي دراسة أخرى، فإن العلاقة بين مستوى التعليم ومستوى التدين ارتبطت بعوامل أخرى متشابكة مع التعليم وليس من السهولة بمكان فصلها عنه كالنظام السياسي للدولة مثلاً. فالدول ذات النظام السياسي الذي يحط من قدر الدين في المناهج الدراسية التي يفرضها وتقويضه لمعالم أية ديانة من دور عبادة وغيرها، كما فعلت الشيوعية، فإن التدين في تلك الدول يضعف بتنامي مستوى التعليم.

وجاء في صحيفة «The Economist» البريطانية، "إن سنة إضافية واحدة يقضيها الفرد في التعليم المدرسي أو الأكاديمي تجعل نسبة حضوره للكنائس أو المساجد أو دور العبادة بشكل عام تتدنى بمعدل 10% وذلك بحسب ما توصلت إليه دراسة نشرت في أكتوبر 2014. وفي دراسة أخرى مقدمة لجامعة نوتردام سنة 2013، فإن ارتفاع مستوى التعليم الإجباري بحسب القانون الكندي للأشخاص أدى إلى انخفاض مستوى انتمائهم الديني في حياتهم لاحقا. وقد انحدرت نسبة انتماء وتطبيق الفرد لأي عادات أو طقوس دينية بحوالي 4 نسب مئوية. وبحسب مركز Pew الأمريكي للدراسات البحثية، فإن الشباب غير المنتمين دينياً يقضون في المدارس 1,3 سنة زيادة على أولئك الطلاب المنتمين دينياً. ففي دراسة أجريت على 76 دولة، أظهرت بأن المنتمين دينياً وغير المنتمين دينياً قد تساويا في مستوى التعليم في 33 دولة، وأن المنتمين دينياً أقل من نظرائهم غير المنتمين دينياً في 27 دولة، بينما المنتمين دينياً أرفع درجة في مستوى التعليم من قرنائهم غير المنتمين دينيا في 16 دولة فقط. وفي إحصائية «Gallup International» فإن معظم المتدنيين في مستويات تعليمية أقل من غير المتدينين، ولكن وفي الوقت نفسه، فإن المتدينين في المستويات التعليمية المختلفة يشكلون الغالبية العظمى.

المثير في الأمر أن هذه النسب تختلف من دين إلى دين آخر، ففي الديانة المسيحية وبحسب مركز Pew الأمريكي، فإن نسبة المتدينين من ذوي المستويات العلمية الرفيعة هي الأعلى. ومن الملاحظ أيضاً بأن اليهود، بغض النظر عن الالتزام الديني، هم الأعلى من ناحية المستويات العلمية ويليهم المسيح. وفي المقابل فقد جاء المسلمون والهندوس في المراتب العلمية الأكاديمية الأدنى. كذلك فإنه وبحسب الدول، فإن الدول الأسلامية، غالبية الشعب من المسلمين، جاءت في المراتب الأولى حين الاستفتاء عن أهمية الدين في حياة الفرد. فقد جاءت بنغلاديش والصومال وأثيوبيا والنيجر واليمن في المراتب الخمسة الأولى من حيث أهمية الدين في حياة المواطنين بحسب استفتاء عام في سنة 2015.

ومن ناحية أخرى، فقد أجريت دراسة إحصائية مسحية للفائزين بجائزة نوبل منذ عام 1901 إلى 2000 كانت نتيجتها أن 65,4% من الفائزين كانوا مسيحاً وفوق 20% كانوا يهوداً و10,5% كانوا لادينيين أو محايدين دينياً.

وبحسب البروفيسور Phil Zucherman، فإنك وبشكل عام ستجد أن ذوي الشهادات والمستويات العلمية الأعلى هم غير متدينين، بينما ستجد أن ذوي الشهادات والمستويات العلمية الأقل أكثر تدينا حتى لو نحيت أو ساويت بين المؤثرات والمتغيرات والعوامل الأخرى التي تؤثر في مستوى التدين كالطبقة الاجتماعية والعرق والعمر والجنس والجنسية وغير ذلك. وقد أفصحت نتائج مركز البحث الأمريكي Pew وتحليلاته في سنة 2014 بأن ذوي الشهادات والمستويات العلمية الأعلى أقل تديننا بمعظم المقاييس.

الهدف من ذكر هذه الإحصائيات والدراسات والنتائج المتضاربة في علاقة التدين، وليس وجود الإله، ومستوى التعليم هو الإشارة إلى أن التعويل على العلم أو المتعلمين وخاصة ذوي المستويات العلمية الرفيعة في إثبات عقيدة دينية معينة أو لتأكيد تأدية طقس أو شعيرة معينة في دين أو مذهب معين لن يكون طريقاً سليماَ أو لنقل ليس معبداً وسهلا دائما. فلا يمكننا، والحال هذه، الحكم بأن العلاقة بين العلم والتعليم الأكاديمي وبين التدين والالتزام الديني إيجابية ومتناغمة دائماً. فنتائج الإحصائيات تشير إلى خلاف ذلك أو أنها، على أحسن التقادير، متضاربة. فإذا كان بعضنا يتصور بأن التعليم الأكاديمي أو العلوم الحديثة بشكل عام يقوي من التدين في الإنسان ويحفزه أو يعتقد بأنه كلما ارتقى الإنسان في درجات العلم الحديث أصبح أكثر تدينا، صار موضع تساؤل لكثير من الباحثين بعد أن وقفوا على مثل تلك الإحصائيات التي ذكرت آنفاً. لذلك، فلابد من الاحتراز من استخدام هذه الطريقة العلمية التي لن تكون مجدية لإثبات معتقد أو طقس ديني. ولابد أيضاً من إيجاد سبلٍ أخرى أكثر فعالية وإقناعاً وجاذبية لتعزيز معتقد طقس أو شعيرة دينية معينة غير العلم والتعليم الأكاديمي لمن ابتغى ذلك هدفاً له.