آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

قراءة في كتاب التدين العقلاني لـ مصطفى ملكيان

السمات العقلانية والإنسانية للتدين

حسين علي الناصر

يعرف ملكيان الحياة المعنوية على أنها هي التدين العقلاني أو الدين المعقلن، وبمعنى أوضح هي فهم للدين يتسم بالعقلانية ويزعم بأنه حق من جهة ومصلحة من جهة ثانية.

أما الحق لأن بالإمكان إثباته منطقياً والدفاع عنه ومصلحة لأن الانسان المعاصر لا يتقبل القراءات الدينية الأصولية والسلفية والأيدولوجية.

ويسجل ملكيان اثنتي عشر سمة أو ميزة للدين العقلاني أو للتعقل الديني:

1. فلسفة الحياة: المتدين المتعقل يطمح أن تسري ديانته في كل مرافق حياته ومفاصلها، فالتدين في الأديان غير العقلانية ليس كالأوكسجين المنبث في جميع خلايا حياة المتدين.

2. طلب الحقيقة دون ادعاء احتكارها: المتدينون ديانة عقلانية لا يعتبرون أنفسهم أصحاب الحقيقة وإنما يفهمون تدينهم بمعنى أنهم طلاب الحقيقة فتدينهم لا يعني أنهم امتلكوا الحقيقة بل إنهم شرعوا بطلبها، ولايدخلنا التدين مملكة نضمن فيها الأمن والفلاح لأنفسنا مهما فعلنا ومهما كانت تصرفاتنا ومواقفنا. بل الصحيح هو أننا عند دخول الدين نشرع بطلب الحقيقة ولا نمتلكها دفعة واحدة، ولعل معظم الذين انجرفوا في تدينهم إلى التزمت والتحجر توهموا أنهم أصحاب الحقيقة وملاكها دون غيرهم، ونسوا التدين الصحيح هو طلب الحقيقة والكدح إليها.

3. الممارسة النقدية: التدين لا يعني التسليم الأعمى والاستغناء عن الأدلة والبراهين ونبذ النقاش والتمحيص إذ الصواب هو حفظ السمة النقدية للتدين، والنقد لا يعني تسقط العثرات واختلاق الهفوات وإنما هو النظر والتدبر في مجموعة القضايا والتعاليم التي تمنح لي باعتبارها ديناً، والغاية من كل هذ التوغل والتعمق هي عقلنة الدين، ولباب القول إن التدين العقلاني تدين يصاحبه تفكير نقدي يتحاشى تصيد العيوب والهفوات وخطاب أصحاب التفكير النقدي هو أنكم إذا أردتم مني الالتزام فعليكم موافاتي ببراهين وأدلة توازي متانتها قوة الالتزام الذي تطالبونني به والنتيجة هي أن الدين الوراثي ليس ديناً عقلانياً فليس من الفخر أن نرث ديننا عن آبائنا دون أي اختيار أو تمحيص كما نرث ألوان عيوننا.

4. أخلاقية الكون: المتدين العقلاني هو الذي يرى الكون محكوماً بنظم أخلاقية في منتهى الدقة بمعنى كما قال الله تعالى «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ﴿7 ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ﴿8.

5. ضبط النفس: للمتدين العقلاني على المستوى السلوكي هو اعتقاده بضبط النفس أو الانضباط الشخصي، وهذا الضبط الذاتي ليس إلا حسابات عقلانية دقيقة تقول للإنسان: إن اللذات العاجلة التي تتبعها ندامة مقيمة يجب أن تترك والصعاب الزائلة التي تتمخض عن يسر ونعيم دائم لابد أن تبادر إليها ولو فكر الإنسان بعمق في هاتين التوصيتين تيقن بهدي من عقلانيته أن عليه اجتناب بعض اللذائذ المؤقتة.

6. سيادة الذات: من خصائص المتدين العقلاني خروجه التدريجي من سيادة الآخر إلى سيادة الذات، فالتبعية السلبية لـ سيادة الآخر حسب ما يفهمها ماركس وهيغل هي الاغتراب عن الذات والصراع الداخلي لأن الانسان في هذه الحالة سيجد نفسه منفصلاً عن كيان آخر يهيمن عليه ويسوسه بقوانينه.

7. الطمأنينة بلا اطمئنان: الفكرة في هذه السمة هي أن المتدين العقلاني يعيش لوناً من اللايقين بمعنى أنه لا يجد برهاناً عقلانياً واحداً على أي من التعاليم والقضايا الدينية أو المذهبية، فالقضايا الدينية رغم أنها لا تعارض العقل لكنها فرارة من العقل أو مستعصية على العقل، لذا لابد أن يعيش المتدين العقلاني ظروف عدم الاطمئنان بيد أن المهم والظريف في آن واحد هو كون المتدين بالرغم من عدم اطمئنانه يشعر بطمأنينة حالمة في أعماق روحه وقد ورد في القرآن بشأن النبي محمد ﷺ: ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا» ولنا أن ندقق في كلمة عسى ذات الدلالات الخاصة على عدم اليقين، ونموذج آخر قول الإمام السجاد في الصحيفة السجادية ”إلهي لسنا نتكل في النجاة على أعمالنا بل بفضلك علينا“ فالانسان الصادق يقر؛ أنني بالرغم من تديني والتزاماتي الروحية والسلوكية لكنني في الوقت ذاته لا أستطيع إثبات أي من القضايا الدينية إثباتاً عقلياً غير أن هذا التعذر لا يسلب مني طمأنينتي أو إيماني.

ولقراءته بالكامل يمكنكم الدخول عبر الرابط:

https://drive.google.com/file/d/1bk3H5WF0cn-lwjrCv5WsOxozHLrsydhF/view?usp=drivesdk