وقود الإصلاح الحسيني «10
عبيدالله بن عمرو بن عزير الكندي
قال الله تعالى: ”رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار“ «النور37». وقال جل جلاله: ”رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وما بدلوا تبديلا“ «الأحزاب 23». وقال العزيز القدير: ”رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين“ «التوبة 108».
وجاء في كتب الإمام الحسين بن عليّ وهو بمكةّ: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمّد بن عليّ ومَن قِبلَه من بني هاشم: أمّا بعد فإنّ من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام». كامل الزيارات «75».
بين أيدينا جوهرة عاشرة من خرزات هذه السلسلة، وهي جوهرة التحقت بركب شهداء الإصلاح الحسيني في الكوفة، ولم تستطع اللحاق به في كربلاء، وهذه الجوهرة هي:
وقيل فيه شعراً:
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوي من طمار قتيل «02»
الاسم: عبيدالله بن عمرو بن عزير الكندي
سنة الوفاة: 60 أو 61 هـ .
سبب الوفاة: قتله عبيد الله بن زياد
سبب الشهرة: نصرته لمسلم بن عقيل
أعماله البارزة: نصرته لمسلم بن عقيل وشهادته. «01»
عبيدالله بن عمرو بن عزيز الكندي، وذكرته بعض المصادر بلقب: الكندي البدي. وقبيلته يمانية مشهورة، تفرقت في البلاد، وكان منها جماعة من المشهورين في كل فن. كان عبيدالله فارساً شجاعاً كوفياً شيعياً، شهد مع أمير المؤمنين مشاهده كلها، وبايع مسلماً، وأخذوا البيعة من أهل الكوفة للحسين ، وعدته بعض المصادر في عداد الشعراء. «01» وقيل إنه من أصحاب أمير المؤمنين الطالبيين، وأحد القادة الذين عقد لكل منهم مسلم بن عقيل رضوان الله عليه راية، وكانت رايته على ربع كندة وربيعة. «03» أورد الطبري اسم عبيدالله بن عمرو بن عزيز الكندي، في حديثه عن تعبئة الشهيد مسلم لجيشه، إلا أن الظاهر أن اسمه عبدالله كما أورده الخوارزمي، وحيث إنه من المتعارف عليه في المصادر الرجالية التساهل في النسبة إلى الجد، فيبدو أنه المراد بحديث الطبري في وقائع عين الوردة وحركة التوابين عن ”عبدالله بن عزيز الكندي“. «04»
ذكرت بعض المصادر عبيد الله بن عمرو الكندي في عداد الشعراء، ومن شعره:
سعيد بن عبد اللّه لا تنسينّه ولا الحر إذ آسى زهيراً على قسر
فلو وقفت صمّ الجبال مكانهم لمارت على سهل ودكّت على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجهه ومن مقدم يلقى الأسنّة بالصدر «01»
روي في التاريخ أنَّه لما رأى مسلم بن عقيل اجتماع الناس، عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد، وعقد لعبيدالله [حسين1] بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة. «01» ولقد أوكل إليه مسلم مهمة قيادة القوة الأبرز. فقيادة كندة في الكوفة ذات دلالة خاصة، نظراً إلى الثقل الذي كانت تتمتع به هذه القبيلة، وقيادة ربيعة - بلحاظ مواقفها المتميزة - قد تفوق الدلالة المتقدمة، ودلالة أن الخيّالة من كندة وربيعة. هذه الدلالات كلها كانت بين يدي عبيدالله الكندي، تضيء على شخصيته وموقعه آنذاك. «04»
ذكر بعض المؤرخين إن أخباره قد اختفت كلياً إلى خروج حركة التوابين، ومعركة عين الوردة، ليطالعنا حديث مؤثر يحمل الكثير من القرائن، التي تؤيد أنه هو نفسه الذي لم يظهر له أثر منذ حصار القصر، لا في كربلاء ولا في غيرها. وفي معرض الحديث عن المعارك الطاحنة في عين الوردة، وبعد أن استشهد من التوابين أكثرهم، يقول الطبري: ”وخرج عبدالله بن عزيز الكندي ومعه ابنه محمد غلام صغير، فقال: يا أهل الشام، هل فيكم أحد من كندة؟ فخرج إليه منهم رجال، فقالوا: نعم نحن هؤلاء. فقال: لهم دونكم“ ابن أخيكم ”فابعثوا به إلى قومكم بالكوفة، فأنا عبدالله بن عزيز الكندي. فقالوا: أنت ابن عمنا فإنك آمن. فقال: والله لا أرغب عن مصارع أخواني الذين كانوا للبلاد نوراً والأرض أوتاداً، وبمثلهم كان الله يذكر. قال: فأخذ ابنه يبكي في أثر أبيه، فقال يا بني: لو أن شيئا كان آثر عندي من طاعة ربى لكنت أنت. وناشده قومه الشاميون لما رأوا من جزع ابنه وبكائه في أثره، وأرى الشاميون له ولابنه رقة شديدة حتى جزعوا وبكوا، ثم اعتزل الجانب الذي خرج إليه منه قومه، فشدَّ على صفهم عند المساء فقاتل حتى قتل“. «04»
من البديهي جداً أن تكون السجون قد ضاقت بالأعداد الكبيرة من الناس الذين زج بهم الطاغية فيها، عندما اتضح له أن ميزان القوى قد انقلب لصالحه كلياً، بصورة لم تكن تخطر له على بال، وهذا أبسط مقتضيات قوله آنذاك لقائد شرطته: ”ثكلتك أمك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً واستبر الدور، وجس خلالها، حتى تأتيني بهذا الرجل. وطبيعي جداً أن تكون حصيلتها في منجم للمجاهدين كالكوفة - حتى بعد انقلابها على الأعقاب - حصيلة وفيرة. ويعزز ما تقدم: أ - أن طرق الهرب من الكوفة كانت مؤصدة حتى قبل تسليط الشرطة على دور أهلها، إلى حد أنه لم يكن باستطاعة أحد أن يخرج منها أو يلج إليها. ب - أن المعركة الفاصلة على الأبواب، فالحسين في طريقه إلى العراق، وقد بلغ حذر الطاغية أن يفرض الحصار على البصرة فكيف سيتصرف في الكوفة. ت - أن الانهيار لا يعني تلاشي الخطر، إذا لم يبادر النظام إلى إلقاء القبض على المفاصل الاجتماعية التي يمكنها تدارك الأمر، وإعادة الكرة «04». وفي وسط هذه الاجواء المتأزمة قبض الحصين بن نمير التميمي على“ عبيدالله بن عمرو الكندي" وسلمه إلى عبيدالله بن زياد، فأودع السجن. «01»
بعد استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، أحضر ابن زياد ”عبيدالله بن عمرو الكندي“، فسأله ممن أنت؟ قال: من كندة قال: أنت صاحب راية كندة وربيعة؟ قال: نعم، قال: انطلقوا به فاضربوا عنقه. «01»