هل أسأنا فهم «المال»؟
ذات صباح، اتصلت بصديقٍ أهنئه على زيادة راتبه، حيث كان من المستفيدين من قرار زيادة الرواتب في 2005. توقعت أن يكون سعيداً بزيادة راتبه، ولكن لم أتصوّر أن يكون بالسعادة الغامرة التي وجدتها في صوته وكلماته. بدا لي أنه كان في أشد الحاجة للمال الإضافي. كان حديثنا بعد صدور القرار تماماً، لذلك كانت مشاعره في أوجها. بعد دقائق من الحديث، هدأ صوته، وتفاجأت لتقمصه حالة من التراجع والندم لأنه ربما ”بالغ بالفرح“ من أجل أمر مادي.. مثل حفنة من المال!
قد لا نختلف في أن للمال أهمية، ولكن هناك تباين كبير في فهمنا للمال ونظرتنا له. والمشكلة أن الفهم الخاطئ للمال ودوره في حياتنا يترتب عليه نتائج خطيرة، وقد يفوّت علينا الخير الكثير. إليك أربعة مفاهيم خاطئة منتشرة عن المال:
ينظر البعض لجني المال نظرة دونية تكاد تكون أقرب إلى الخطيئة، والسبب هو اشتباههم بأن الاهتمام بجني المال يعني - بالضرورة - التعلق به والغلو فيه. هنا يجب أن ندرك الفرق بين من يعتبر المال «غاية»، ومن يراه «وسيلة» لتحقيق أهداف سامية. لا خلاف على خطأ الأول. أما من يعتبر المال وسيلة لتحقيق أهداف سامية في الحياة فعليه ألا يُحرَج من سعيه له، بل عليه أن يسعى له بكل قوته. بالمال يمكنك أن تكسو عائلتك وتطعمهم ما لذ وطاب. بالمال تعلم أبناءك وتعالجهم إذا مرضوا. بالمال يمكنك أن تؤثر على محيطك، وتبنيه، وتساهم في رقيه. بالمال تتصدق وتساعد المحتاج وتبني آخرتك. بالمال تكون المؤمن القوي الأفضل من الضعيف. قال تعالى: ”المال والبنون «زينة» الحياة الدنيا“. من نحن لنقول: ”المال وسخ دنيا“؟
إذا كنت تعتقد أن المال لا يساهم في السعادة، فقد تتفاجأ حين تعلم أن دراسات نفسية «مثل دراسة جامعة برنستون» وجدت أن هناك علاقة موجبة بين دخل المرء وسعادته، حيث يساهم الدخل الإضافي في رفع الرضا النفسي إلى أن تُلبَّى كافة الاحتياجات الأساسية. بعد ذلك، يقل تأثير المال على سعادة الإنسان «الأغنياء لا يزيدهم المال سعادة». تجدر الإشارة إلى أن المال ليس المساهم الرئيس في السعادة، وأن هناك أسباباً مؤثرة أقوى «مثل العلاقات الاجتماعية». لذلك لا تبالغ في رهن سعادتك بالمال، فهو عامل مؤثر وسط عوامل أخرى. ولكن لا تتنكر لأثر المال، مثل صاحبي الذي حاول كتمان سعادته الحقيقية بزيادة الراتب.
الكثيرون يتشاءمون تجاه الواقع الإقتصادي الحالي وتجاه المستقبل، وبالتالي يظنون ألا فائدة من السعي نحو مستقبل مالي أفضل. حالة التشاؤم هذه يحركها الميل المحض إلى السلبية بالإضافة إلى الجهل بالواقع، والناس - على كل حال - أعداء ما جهلوا. أما المستثمرون الناجحون فيبنون قراراتهم على تحليلات موضوعية بعيداً عن المشاعر. فإذا جلست يوماً مع شخص يريد أن يثبت لك أن العالم سيتدمر، وأن العقار انتهى، وسوق الأسهم سينهار، وأن الواسطة قضت على كل الفرص، وأننا سنعود إلى عصر الإبل، ببساطة تجاهله وحاول أن تقيّم الأوضاع بشكل منطقي وموضوعي.
أكثر الناس يخجلون من الحديث عن المال مع الآخرين، خصوصاً فيما يتعلق بتحدياتهم الحالية، وتطلعاتهم المستقبلية. ولكن إذا لم نسأل من هم أعلم وأخبر منا، كيف سنتعلم؟ إذا لم يخب ظني، فإنك لم تتلقّ دروساً كافيةً عن الوعي المالي طوال دراستك الأكاديمية. بل لعلك مثلي، لم تدرس ساعة واحدة عن هذا الموضوع، لا في المدرسة ولا في الجامعة. هذا حال الأغلبية. إذاً كيف يمكننا اتخاذ القرارات المالية بوعي، خصوصاً القرارات المفصلية مثل شراء المنزل أو بدء مشروع تجاري؟ قراراتنا ستكون حكيمة أكثر لو تجرأنا قليلاً وطلبنا المشورة من ذوي الخبرة.
لو قررت أن تصحح فهمك للمال، سيساعدك ذلك على تأسيس علاقة فعالة معه تستطيع من خلالها أن تستفيد منه كأداة بناء وتأثير في حياتك وحياة من تحب. في المقابل، لو قررت أن تنفر من فكرة جني المال، أو تغلفها بمشاعر التوجس والتشاؤم والخجل، ستفوّت عليك فرصة الاستفادة من هذه النعمة التي من الله بها عليك.
وإن كنت لا تزال في أزمة تفاهم مع المال، فيسعدني أن أريحك وأخلصك من ”وسخ الدنيا“ هذا شخصياً.