آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 8:09 ص

الطلاق ... بين المشكلة والحل

ميثم المعلم

كلنا يعرف إن الطلاق يفكك الأسرة، ويوجد الحقد، وينشر البغضاء، وينمي الكراهية، ويخلق المشكلات، ويعقد الحياة، ويقلق الآباء، ويحزن الأمهات، ويخيف الأولاد، ويؤلم الأقرباء، ويرهق المجتمعات، ويضعف الثقة بالنفس، ويربك الحياة العاطفية، ويوتر العلاقات بين الأسر، ويشجع العصبيات بين العوائل، ويشيع السلبيات بين الناس، ويزعزع الأمن الاجتماعي، ويوجد المشاكل النفسية والصحية والفكرية والتربوية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

قال الإمام الصادق : «إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق». ميزان الحكمة ج2.

وهنا أسئلة تطرح نفسها ما هي أسباب ظاهرة الطلاق؟ وما هي الحلول الممكنة لعلاج ظاهرة الطلاق؟ وماذا يفعل الإنسان قبل أن يتخذ قرار الطلاق؟ ومتى يكون الطلاق هو الحل المناسب؟ ومتى يكون الطلاق آمنًا؟ وما هي خطوات التكيف مع الحياة بعد الطلاق؟

أسباب ظاهرة الطلاق كثيرة أهمها:

1 - إبليس الرجيم.

يلعب إبليس الرجيم دورًا كبيرًا ومحوريًا في إثارة المشكلات الزوجية، فهو يضخم الأخطاء البسيطة في ذهن الزوجين، ويشعل المشاعر السيئة في قلبيهما، ويزين لهما بأن العناد قوة، وأن الجدال ذكاء، وأن الإصرار على المواقف الخاطئة محافظة على كرامة النفس، ويخدعهما بأن العفو والتسامح مذلة وضعف، ويمنيهما بحلاوة الحياة بعد الانفصال، حتى يرديهما في براثن ومصائب الطلاق.

قال تعالى: «إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا». سورة فاطر آية 6

2 - ضعف الثقافة الزوجية.

هناك كثير من الأزواج لم يقرؤوا كتابًا واحدًا عن الحياة الزوجية، ولم يأخذوا دورة واحدة في العلاقة الزوجية، ولم يطلعوا على كيفية التعامل مع المشاكل التي تواجه الحياة العائلية، مما سبب ضعفًا شديدًا في الثقافة الزوجية لدى الزوجين، وأدى إلى كثرة حالات الطلاق بين الزيجات الحديثة.

3 - عدم التوافق في السمات الشخصية بين الزوجين.

من الأسباب الرئيسية للانفصال وانتشار ظاهرة الطلاق بين الزيجات الحديثة هو عدم التوافق بين الزوجين في السمات الشخصية كالفكر والثقافة والعاطفة والأخلاق والطباع والعادات والتقاليد، مما يؤدي إلى تباين كبير وفجوة واسعة بين الطرفين.

4 - تدخل الوالدين والأقرباء والأصدقاء في حياة الزوجين.

عندما يفقد الوالدان الحكمة المناسبة، ويفقد الأقرباء النصيحة الطيبة، ويفقد الأصدقاء التوجيه السليم، بالتالي يفقد الجميع الأسلوب الأمثل في كيفية التعاطي مع المشاكل العائلية، مما يؤدي إلى تصعيد الخلاف بين الزوجين وتضخيمه بشكل كبير.

5 - الغضب والانفعال.

من أخطر الأمور عندما يصبح الغضب والانفعال جزءًا من شخصية أحد الزوجين، ويتحول إلى إمر طبيعي في التعامل اليومي في الحياة الأسرية، فتصبح الحياة العائلية جحيمًا لا يطاق، فيفقد أحد الزوجين الصبر، فيقع ما لا يحمد عقباه.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «إياك والغضب، فأوله جنون وآخره ندم» ميزان الحكمة ج3

6 - فقدان ظاهرة الحوار بين الزوجين.

السبب الرئيسي لأي مشكلة أسرية تحدث بسبب فقدان ظاهرة الحوار بين الرجل والمرأة، مما ترتب عليه كثرة المشكلات وتراكمها وتعقيدها. وعندما تغيب ظاهرة الحوار بين الطرفين يفقد كلا الزوجين القدرة على التواصل والتفاهم وتقريب المسافات بينهما.

7 - الدور السلبي للتقنية الحديثة.

الإنترنت والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها، تسببت بشكل كبير وملحوظ في المشاكل العائلية بين بعض الزيجات، حيث تنامت حالة الشك والريبة والاتهام وسوء الظن، مما أضعف حالة الثقة بين الزوجين.

8 - عدم التغاضي عن الأخطاء.

هناك الكثير من الزوجات لا يتغاضين عن أخطاء أزواجهن لأنهن يتصورن أنها حالة من حالات الضعف والذل، وكذلك هناك الكثير من الأزواج لا يتغاضوا عن أخطاء زوجاتهن لأنهم يتصورا إنها سمة من سمات الشخصية الساذجة والفاشلة.

وهناك الكثير من الأسباب لظاهرة الطلاق كالإهمال العاطفي، والخيانة الزوجية، والبخل، والفقر،، وشرب الكحول، والمخدرات، والتهور، والغرور، والغيرة المفرطة، والعقد النفسية، والعنف الأسري، وعدم التهيئة المناسبة للشاب والشابة للحياة العائلية، وعدم الالتزام بالواجبات الأسرية كما ينبغي.

وأما الحلول الممكنة لظاهرة الطلاق، فهناك عدة حلول:

1 - الطلب من الله بشكل دائم السعادة الزوجية.

إن أهم نجاح في حياة الإنسان هو النجاح العائلي، والنجاح العائلي يتطلب توفيقًا عظيمًا من الله تعالى، فالله هو مصدر لكل سعادة في حياتنا وبالخصوص السعادة الزوجية، وهو مصدر لكل خير في حياتنا العائلية، وهو مصدر لكل سرور في حياتنا الأسرية، فعلينا أن نطلب من الله تعالى بشكل دائم السعادة الزوجية، وأن نطلب منه أن يساعدنا في إيجاد الحلول لمشاكلنا الزوجية والتربوية. يجب علينا أن لا ننسى الله في أمور الخير، فهو الموفق لكل خير وسعادة.

2 - تنمية الثقافة الزوجية بشكل مستمر.

لكي يستطيع الزوجان التغلب على المشكلات والأزمات والتحديات التي تواجه الحياة العائلية يحتاجان إلى التنمية الثقافية الزوجية بشكل مستمر، وذلك عبر القراءة المكثفة عن الحياة العائلية، والالتحاق بدورات تأهيلية في الحياة الزوجية، ومتابعة أنشطة وفعاليات وإصدارات مراكز متخصصة في تنمية الحياة الأسرية، كمركز البيت السعيد بصفوى على سبيل المثال لا الحصر، الذي يمتلك الخبرة المتميزة في إيجاد الحلول للمشكلات الأسرية، حيث حقق المركز نجاحًا كبيرًا وباهرًا في تنمية الجيل الجديد المقبل على الزواج، عبر الدورات والندوات والحملات التثقيفية التي يقوم بها بشكل دائم ومستمر.

3 - الالتزام الديني الواعي.

عندما يمتلكان الزوجان التزامًا دينيًا واعيًا كالتقوى مثلا ً، فإنهما يمنعان الكثير من المشاكل الأسرية أن تقع بينهما، لأنهما يحرصان كل الحرص على أن لا يظلما بعضهما البعص، لأنهما يخافان من الله خوفًا شديدًا أن يكونا من الظالمين.

جاء رجل إلى الإمام الحسن » يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها». مكارم الأخلاق.

4 - الالتزام الأخلاقي.

الذي يديم العشرة بين الزوجين هو حسن الخلق، وعندما يلتزم الزوجان بالجانب الأخلاقي فيما بينهما، فإن 80% من المشاكل الزوجية تختفي بشكل أبدي، ولا يشعران بها على الاطلاق، لأنهما يراعيان بشكل كبير مشاعر بعضهما البعض في الكلمات والأفعال والمواقف.

5 - القدوات الناجحة في الحياة الزوجية.

من الضروري جدًا للشاب والشابة أن يتخذان قدوة صالحة وناجحة في الحياة الزوجية، لكي يتعلما منها كيفية النجاح في الحياة الأسرية، ويتعلمان منها كيفية التغلب على الصعوبات التي تواجه الحياة العائلية.

6 - الاعتبار من حالات الطلاق.

يذكر مركز البيت السعيد بصفوى في حملته التثقيفية الأخيرة، التي كانت بعنوان «حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته»، أن 24% من المطلقين شعروا بالندم والحزن بعد الطلاق، وأن 72% من حالات الطلاق لم تتم بالتفاهم والتراضي، وأن 71% من المطلقين لم يأخذوا استشارة عند الطلاق، وأن 41% من حالات الطلاق تقع في السنوات الأولى من الزواج، وأن المرأة هي الأكثر تأثرًا من الرجل في عملية الطلاق، وأن الأطفال هم المتضرر الأكبر من حالة الطلاق حيث يعانون من الحرمان من الحب، والتأخر الدراسي، والقلق والاكتئاب، والغضب والعدوانية، والتشرد والضياع، والتعرض للانحراف.

عندما يقرأ الإنسان هذه الاحصائيات والأرقام يشعر بالحزن والأسى الشديدين، لأن الطلاق يترك أثارًا سيئة على الأطفال والنساء، مما يؤدي إلى إضعاف المجتمع ويهدد سلامته وتقدمه. لذا علينا جميعًا أن نأخذ العبرة من حالات الطلاق.

وهناك عدة حلول أخرى لعلاج ظاهرة الطلاق عبر تكثيف الحملات الإعلامية بمختلف وسائل الإعلام، وعقد الندوات وورش العمل، ودعم المراكز المتخصصة في حماية الأسرة، ودراسة ظاهرة الطلاق بشكل علمي من قبل المفكرين والمثقفين والمصلحين الأسريين.

وأما ماذا يفعل الإنسان قبل أن يتخذ قرار الطلاق؟

يقول رئيس مركز البيت السعيد بصفوى سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم في حملته التثقيفية الأخيرة، التي كانت بعنوان «حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته» قبل أن تتخذ قرار الطلاق عليك أن تتعرف على طبيعة المشكلات الزوجية والأسباب المؤدية إلى الطلاق، وأن تقوم بتقييم أسباب الطلاق، وهل هي مقبولة أم لا، وفكر بالخيارات البديلة والممكنة لحل المشكلات الزوجية، وفكر في تبعات الطلاق وعواقبه، وتأنى وخذ الوقت الكافي لاتخاذ القرار، وتحمل مسؤولية اتخاذ القرار وتبعاته، واستفد كافة الحلول للمشكلات قبل اتخاذ أي قرار، وقم بدراسة النتائج الإيجابية والسلبية للطلاق ووازن بينهما، واتخذ القرار بذهنية صافية وليس تحت الضغوط النفسية أو أي تأثير خارجي.

وأما متى يكون الطلاق هو الحل المناسب؟

يذكر سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم عدة أمور:

إذا استفحلت المشاكل واستعصت على الحل، وإذا كان الاستمرار في الزواج أشد ضررًا من إنهائه، وإذا كان الشريك يجبر على القيام بأفعال غير أخلاقية، وإذا كان الشريك يخون العلاقة دون توقف، وإذا لم يلتزم الشريك بالواجبات والحقوق الزوجية، وإذا كان الشريك مدمنًا على المخدرات أو شرب الخمر، وإذا وجد الشريك أن البقاء على العلاقة تشكل خطرًا على حياته.

ولكي يكون الطلاق آمنًا؟

يذكر سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم عدة أمور:

التسريح بمعروف وإحسان، والتصرف بنضج وحكمة وخلق، والحفاظ على أسرار الآخر، وتجنب اللجوء إلى الشرطة والمحاكم قدر الإمكان، والابتعاد عن الابتزاز العاطفي والمادي، وتجنب استخدام الأبناء وسيلة للانتقام والإساءة للآخر، وتهيئة الأبناء نفسيًا للطلاق، وتمكين الأطفال من التواصل مع الوالدين والأقرباء، والحفاظ على السلطة المعنوية لكلا الوالدين على الأبناء، وإظهار الاحترام للآخر، والاتفاق على خطوات الطلاق وتسهيل أموره، والاتفاق على إجابة موحدة ومناسبة لمن يسأل عن أسباب الطلاق.

وأما خطوات التكيف مع الحياة بعد الطلاق؟

يقول رئيس مركز البيت السعيد بصفوى سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم في حملته التثقيفية الأخيرة، التي كانت بعنوان «حماية الأسرة من الطلاق وتداعياته» عدة أمور:

التخلص من مشاعر الحزن والخوف والغضب، وتقبل الأمر الواقع والتأقلم معه، والعناية بالنفس من جديد، وبناء الصورة الذهنية السليمة عن الطلاق، والتبصر بكيفية مواجهة الضغوط الذاتية والبيئية، وتعلم خلق العفو والصفح عن الآخرين، وتنمية تطوير الذات، وتكوين فريق داعم من الآسرة والأصدقاء، واستئناف الدور الوالدي واستمراريته، وتعظيم الموارد الذاتية كالتفاؤل والمرونة، وإدراك التغيرات التي ستطرأ على المكانة والأدوار والمسؤوليات.