بين الوعي والبرمجة
أغلبنا يقع تحت تأثير البرمجة، ومع الوقت يكتشف ذلك وربما لا، لأسباب عدة، تأتي في مقدمتها العقيدة الدينية والتي هي نتيجة أفكار انقلبت إلى عقائد، وبالتالي من الصعب تحليل كونها جاءت عبر الوصايا والنصوص والعادات والتقاليد.
وبالتأكيد هناك فرق في معنى الوعي، وهو قدرة الإنسان على التحليل وإدراك الصواب والخطأ وقراءة المشهد من جميع جوانبه وفق قواعد عامة، أما الإنسان المبرمج فتفكيره غالبًا قاصر، لأنه ليس لديه القدرة على التحليل والتفكير المنطقي، وهم الأغلب في الدائرة الاجتماعية.
من أراد أن يكون عقله خارج الصندوق، عليه ببساطة تحمل المواجهة، ومن يحمل فكرًا مستقلًا خاضعًا للمنطق وناتجًا عن محاكاة ذاتية وقناعة شخصية، قادر على القراءة الدقيقة والتمايز بين البرمجة التي تعني التبعية الفكرية والثقافية للغير وغياب الهوية الشخصية.
كلما كان الإنسان حرًا في تفكيره، استطاع رؤية الأشياء بحيادية شديدة بعيدًا عن المحسوبيات والمصالح، لأننا - واقعيا - نعيش تحت وطأة الخوف من فتح قنوات للنقاش في قضايا مر عليها السنوات وفق آراء وكتابات عليك أن تهضمها، شئت أو أبيت.
البرمجة هي قوالب جاهزة فقط نتبناها بدون وعي شخصي، أشبه بالاقتباس أو التقليد، أما الوعي فهو التحليل والتفاعل مع المشهد، بردود أفعال تظهر على شكل قناعات وتطبق كسلوكيات تتضمن قبول أو رفض الفكرة، التي إما نكون وفق وما نعتقد، بغض النظر عن صحته أو عدمها.
من يقرأ في معاني القرآن الكريم والسنة النبوية، يجد مدحًا للوعي، وخلاصة ذلك مفردات مرتبطة ارتباطًا كليًا بالاحتكام للعقل، «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، وقوله تعالى «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ». ورغم كثرة الدلائل والبراهين تغيب تلك المفاهيم والمعاني التي تدعونا إلى الوعي.
لا يمكن بحال من الأحوال النهوض بالمجتمع مادام يؤمن بثقافة لا يفرق بين معنى الوعي وبين معنى البرمجة، بل يقطع باليقين أنه على حق رافض وسمه بالبرمجة وتحت أي عنوان للتبعية.