”بتول وأخواتها“.. وحمّام الفريق
بنفس ميزان ”بتول وأخواتها“.. كان ”غرْف المجاري“ وتفتيش وتنظيف السواقي، مهنة متعارف عليها في عهد قريب من السبعينات، اعتاد عليها الأهالي في القطيف وتحديداً الفلاحين منهم، وهي معلومة يؤرشفها ويشهد عليها الجيل الخمسيني والأكبر منهم عمراً، وذلك قبل مجيء الشركات الأجنبية للتصدي لهذه المهام التي كانت مسؤولية المجتمع نفسه. وما زلنا منذ هذه الطفرات التنموية في آليات النظافة والعناية بمرافق النفع العام نعاين تبايناً في مفاهيمها كمجتمع متحضر بين ذلك الأمس واليوم، بل بتنا نمشي على مبدأ ”فرض كفاية“ حيث ما قام به البعض يسقط عن الكل، وبذلك صنعنا مجتمع اتكالي..
فماذا حدث بعد أن تطوعت ”بتول وأخواتها“ لتنظيف دورة مياه عامة في كورنيش سيهات؟!
أولاً.. استنكر البعض ما قامت به ”بتول وأخواتها“ على أنه لا ينم عن مواطن سعودي، وذلك قفز على الواقع. فانتشار القاذورات في المرافق العامة هي من فعل المواطن نفسه، فالحرج لا يكون من فعل نبيل قامت به الأخوات الثلاث، بل ممن هو خلف تلك المناظر المشوهة للمظهر العام، إذ النظافة لا تنقص من العمالة الأجنبية من شيء، كما أنها لا تعيب الأخوات..
ثانياً.. ذهب البعض الآخر من هذا التطوع خالص النية، إلى تعليقه شماعة ينتقد بها الجهة الرقابية على المرافق العامة. ففي الوقت الذي وجد البعض أن ما قامت به الأخوات فعل شجاع وجريء جداً، لم يتوانوا للإشارة إلى أن الجريء فعلاً من تجرأ على دورات المياه بالأوساخ والفضلات دون وازع أو كرامة.. فمن تركها بهذه الكيفية أولاً؟ المراقب أم المواطن؟..
وثالثاً.. نقبل على مرحلة تعزز «جودة الحياة» لدى المواطنين، ففي برنامجها لم يدعى مطلقاً إلى الاتكالية على العمالة الوافدة في سبيل الرفاهية بترك نظافة المرافق تحت أيديهم، ولم يُسن نظام لحماية الذوق العام كجلاد للجهة الرقابية والعمالة، بل لابد أن ننتبه إلى أنه وضع من أجل محاسبة المواطن لأنه الأصل، وهو المحاسب في حال تقصيره وتشويهه لهويته الوطنية والقيم الإسلامية. فإلقاء التهمة على المقاول أو المسؤول ضرب من الخداع الذاتي والله تعالى يقول ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾.
أخيراً.. إننا مجتمعات متأثرة، في وسط وسائل الإعلام الحية اليوم، والقصص الإنسانية التي تبعث على التجييش والدفع للمقدمة، وبين أخرى تخلف التراجع والسقوط، فلنا الخيار. تكريم ”بتول وأخواتها“ وما حمل عملهم من القيم التربوية والفطرة السليمة، هو مصداق على إمكانية التغيير. وما نبعت هذه البادرة إلا من ثقافة التكريم التي هي طريقة مجتمع القطيف لتحفيز أبناءه على النجاح والإنجاز، وتأكيداً على الدعوة للحفاظ على الممتلكات العامة.
إن بين الفلاح القطيفي بالأمس، و”بتول وأخواتها“ اليوم، حكمة عظيمة، لابد على المواطن بالتواضع لها والإقرار بأن هذه المرافق والممتلكات العامة ليست إلا من أجل أهالينا وأبناءنا، ومن أجلنا أيضاً، وشماعة الرقابة وجلاد الأنظمة، صناعة فشل، في حين أن التقاليد تعتبر أكبر نظام يصنع المجتمع المتحضر، إذا كانت تقاليد للمصلحة العامة كالنظافة وحفظ أماكن النفع.