وقف الرامس.. والتعويض!
”رؤية المملكة 2030 أولت حماية البيئة والموارد الطبيعية أهمية قصوى لما لحمايته من دور محوري في تحقيق التنمية المستدامة ورفاهية المجتمع، ورؤية وزارة البيئة والمياه والزراعة تستهدف الاستغلال الأمثل للفرص والموارد المتاحة، وتحسين دخل صغار المنتجين الزراعيين، وتوفير فرص العمل، والمساهمة في الأمن الغذائي والتنمية المتوازنة.“ - م. عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة.
إن ما يعنيه إعلان بلدية محافظة القطيف في تعويضها مزارعي الرامس عن الأرض والمستصلح فوقها، هو انتهاء حقبة الاستنفاع الاجتماعي لأهالي العوامية من هذه الأرض. إذ أننا الآن نشهد مرحلة انتقالية بانقضاء 141 عاماً على أكبر وقف اجتماعي مساحياً في السعودية أو الشرق الأوسط كما يتباين نقل الوثائق التاريخية. وبشكل أوضح؛ فما يقدر ب 8,4 مليون متر مربع قد سقطت من النفع العام لهذا المجتمع، فإن لم يحلم أحد بعدُ بأن تتحول ”الرامس“ من وقف اجتماعي إلى محميةٍ طبيعية، إذ نأمل من وزارة ”البيئة“ أن تسعى لتحقيقه، فسنبدده إلى ثلاث مواقف نتوقعها منها.
سنتوقع أولاً أن يكون المجتمع واعٍ بأهمية استدامة البيئة في هذه المرحلة. فلا نريد أن نشهد تخطيطاً لهذه الأرض، كما حل ببساتين القطيف، فحتى الإحصاء في وزارة ”البيئة“ يؤكد أن الاتجاه لتعداد مزارع القطيف في تناقص بسبب ما تشهده المنطقة من تخطيط عمراني للأراضي الزراعية. الأمر الذي لابد أن يحسم في جانب الإبقاء على ”الرامس“ زراعية بمساحتها الشاسعة، وأن توضع ضوابط وشرطة بيئية تفتش المخالفات والتجاوزات، ومنع الزحف العمراني ناحيتها، وأن تكون مقصداً سياحياً يتكامل مع الخارطة السياحية لبلدة العوامية كونها أحد المواقع التاريخية في محافظة القطيف.
وثاني ما نحتاجه في هذه المرحلة، أن تتم الإجراءات في سبيل تحويل هذه المزارع التي تبلغ في تقديرها ما يربو على 480 مزرعة إلى مزارع نموذجية. فما تنتجه من محاصيل موسمية وعضوية وفيرة، لما تتميز به تربتها الخصبة، وكونها بالمستوى المرجو لأن تصنع اقتصاداً زراعياً، يعطيها الجدارة بأن تكون ضمن برنامج ”التنمية الريفية الزراعية المستدامة“ الذي صممته وتشرف على تنفيذه وزارة البيئة والمياه والزراعة على مدى سبع سنوات لتحقيق عدة أهداف تنموية بحسب تصريحات معالي الوزير عبد الرحمن الفضلي.
ويأتي التوقع الثالث بالتدرج مع ما سبق، أن يتحقق على هذه الأرض مشروعين زراعيين تنمويين، وهي المكان الأصلح لهما. فالامتياز لأرض الرامس عن غيرها، في كونها محاذية لخليج تاروت، وانخفاضها عن مستوى البحر، يؤهلها لإنشاء مشروع ”استزراع الأسماك“، ومحافظة القطيف كبيئة ساحلية منتجة ورائدة في قطاع الأسماك، جديرة بمثل مشروع من نوعه، إذ أنه يتسق مع أهداف وزارة ”البيئة“ في البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية ضمن أهداف برنامج التحول الوطني 2020 في رفع معدل المنتجات السمكية في المملكة. أما الثاني فهو مشروع تطوير ”الطماطم الرامسي“ عبر عمل الدراسات والأبحاث التي تساعد على حمايتها من أجواء الصقيع، ومن الآفات الزراعية، التي تعرض المحصول بالكامل للكساد، في موسم جنيه، إضافة لدراسات جدوى وصنع هوية لتسويقه بمستوى يليق به وبالمحافظة. وهي فرص استثمارية تستحق أن يسعى لها رجال الأعمال في المنطقة.
إلى هنا، يمكن القول إن أرض الرامس على وضعها الحالي رغم الاستصلاحات الأخيرة التي سهلت على 1000 مزارع فيها من التجول في شوارعها بعد أن قامت لجنتها بتوسعتها وتهيئتها بما يمكن، وغيرها من مساع حققتها في غضون الأربع سنوات الأخيرة، فهي ”عذرية“ وما تزال بالمستوى الذي يمكن أن تحمى فيه من أيدي العابثين بالطبيعة والبيئة، كما استطاع مستصلوحها أن يحمونها خلال 141 عاماً، وهو ما يتعارف عليه بهيبة الوقف. فلابد هنا أن يكون القرار بحق المرحلة القادمة _مهماً كان ما يعالجه القرار_، أن يكون قراراً مدروساً تستحقه فرادتها، ونحن على يقين تام بأن هذا ما يسعى له سمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه للارتقاء بمشاريع المنطقة إلى مصاف المشاريع النوعية التي تهدف لتحسين جودة الحياة بكل أنحاء هذه الأرض المباركة.