طبيعة الأشياء
طرح الصديق الدكتور علي الرباعي في صفحته على الفيس بوك اشكالية مهمة وهي: جاءت الأديان لتبسيط حياة الناس فلماذا تعقدت؟، السؤال بمعنى آخر الدين جاء من أجل نزع الأغلال عن الناس، فلماذا جاء الناس بأغلال جديدة مرة أخرى؟ في التعليقات على الدكتور الرباعي أشرت إلى أن هذه هي طبيعة الأشياء تبدأ صغيرة ثم تكبر وتتعقد فلا تحزن، نعم الدين كذلك بسبب العامل البشري الذي يضيف أشياء قد تكون من الدين وقد تكون لا، لكنها مع مرور الوقت تصبح جزءا منه، وتحرير الدين منها يكون مكلفا وصعبا وقد يتسبب ذلك في خسارة بعض الناس إلى حياتهم جراء محاولتهم في نزع وتحرير الناس من تلك الأغلال، لهذا يتراجع الكثير من المصلحين عن آرائهم وأفكارهم الجديدة حتى يتجنبوا ردات الفعل العنيفة، مما يؤدي إلى خسارة الأمة ويجعلها رهينة التخلف.
حينما نتأمل في بعض الأمور التي من حولنا نراها تتحول من شأن إلى شأن آخر، هذا ينطبق على كل شيء تقريبا في الحياة، من الأشياء مثلا الأفكار تبدأ فكرة بسيطة ثم يطورها الفرد إلى نظرية معقدة تحتاج إلى تفسير وتبسيط حتى يتمكن الأخرين من فهمها واستيعابها بشكل جيد، نلاحظ أن الأديان كانت بسيطة خالية من التعقيد لكن مع تطور المجتمعات الدينية والبعد الزمني بينها وبين النص، أدى إلى تكون أفهام وشروحات جديدة تم اضافتها على الأفهام السابقة للنص، وهذا بشكل طبيعي يعقد النص لأننا نفهم في الحقيقة فهم النص وليس النص نفسه، وهذا ما نراه في الكتب الدينية التي بين أيدينا اليوم كالشروحات وغيرها من المصادر التي تشرح وتفسر كتب التراث الشارحة أو المفسرة إلى النص المؤسس الأول.
وإضافة إلى ذلك سادت عقلية التحريم في المجتمعات الاسلامية مما ساهم في عدم اقبال أبناء الأمة على ما هو جديد، وجعلهم في حالة خوف من التجربة والمنافسة مع أقارنهم في المجتمعات المتقدمة، وهذا بشكل طبيعي كبل المجتمع، وأضاف أعباء وقيود إضافية، يشير الدكتور محمد شحرور في كتابه نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي إلى هذه الاشكالية: ”وتحول الحرام فيه إلى أساس للحياة بدلا من الحلال، وغدا الفكر العربي الإسلامي فكرا تحريميا سيطرت عليه ذهنية تحريمية ما زالت سائدة حتى اليوم. فإذا سمع الإنسان العربي المسلم عن الإنترنت، فإن أول سؤال يتبادر إلى ذهنه: هل الإنترنت حرام أم حلال؟“.
وربط الشيخ محمد إبراهيم الجناتي - أستاذ الدراسات العليا في الفقه والأصول في حوزة قم تخلف المجتمعات الاسلامية عن ركب التقدم والتطور بالنزعة التحريمية في مجتمعاتنا حيث يقول: ”ان النزعة التحريمية ازاء ما يستجد من الظواهر في الحياة، ادت الى ضياع فرص التقدم والتطور العلمي والتقني لبلاد الاسلام، والجأتها الى الاستعانة بالأجانب في هذه المجالات“. هذه بعض الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في تعقيد الأديان وهناك أسباب أخرى لا يسعنا في هذه المقالة القصيرة ذكرها والتفصيل فيها.
ختاما الأمة إذا أرادت أن تتجاوز أزمة التعقيد والتشدد عليها أن تقدم فهما جديدا للدين يتناسب مع معطيات الواقع ومتغيرات الزمن حتى ينسجم الناس مع دينهم وواقعهم، وألا يكون تدينهم عبئا عليهم وعلى حياتهم. كذلك ينبغي تجاوز ذهنية التحريم التي سادت قرون طويلة مما شكل مدونة فقهية ثقيلة جدا، حتى أصبح الناس غير قادرين على التمييز بينما هو مباح وما هو محرم من كثرة الاحتياطات وبسبب الاستخدام المفرط إلى قاعدة سد الذرائع، ينبغي تحرير الأمة من هذه القيود الكثيرة التي سلبت منها القدرة على الابداع والتفكير بشكل حر، إلى فضاء الحرية والبناء والتقدم.