آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:07 ص

أبناؤنا ثمرة تربيتنا «7»

حقوق الأولاد

الشيخ حسين المصطفى

في هذه العجالة يجب على الأبوين أن يدركا حقوق أبنائهما عليهما، ويمكن أن نجمل هذه الحقوق في أمور خمسة:

1 - حق الحياة:

إنَّ للطفل - ذكراً كان أو أثنى - حق الحياة، فلا يبيح الإسلام لوالديه أن يقوما بوأده أو إجهاضه:

أ - لقد شنّ الإسلام حملة قوية على عادة «الوأد» التي كانت متفشية في الجاهلية، وتساءَل القرآن مستنكراً ومتوعداً: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ واعتبر ذلك جريمة كبرى لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال. وقد كانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر، كما في قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ. وفي آية أُخرى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ.

ب - وعمل الإسلام أيضاً على تشكيل وعي اجتماعي جديد بخصوص الأنثى، وقد كان الجاهليون لا تطيب نفوسهم بولادتها كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ.

ولقد اختار النبي الأكرم ﷺ أفضل السبل لإزالة هذا الشعور الجاهلي تجاه الأنثى، والذي كان يتسبب في زهق أرواح العديد من الفتيات كل عام، ففضلاً عن تحذيره من العواقب الأخروية الجسيمة المترتبة على ذلك، اعتبر من قتل نفساً بغير حق جريمة كبرى ينتظر صاحبها القصاص العادل.

ومن جانب آخر زرع النبي ﷺ في وعيهم أن الرزق بيد الله تعالى، وهو يرزق الإناث كما يرزق الذكور، فأشاع بذلك أجواء الطمأنينة على العيش.

أضف إلى ذلك استعمل النبي ﷺ لغة شفافة، فتجد في أقواله ﷺ عبارات تعتبر البنت ريحانة، وأنهن المباركات، المؤنسات، الغاليات، المشفقات.. وما شابه ذلك.

وكشاهد من أقوال الرسول ﷺ: عن حمزة بن حمران يرفعه قال: أُتِيَ رَجُلٌ وَهُوَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأُخْبِرَ بِمَوْلُودٍ أَصَابَهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الرَّجُلِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : مَا لَكَ؟!

فَقَالَ: خَيْرٌ.

فَقَالَ: قُلْ..

قَالَ: خَرَجْتُ وَالْمَرْأَةُ تَمْخَضُ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهَا وَلَدَتْ جَارِيَةً!!

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ”الأَرْضُ تُقِلُّهَا، وَالسَّمَاءُ تُظِلُّهَا، وَاللَّهُ يَرْزُقُهَا، وَهِيَ رَيْحَانَةٌ تَشَمُّهَا...“ [الكافي: ج 6 ص 5].

وقد أكد الإمام علي ، ذلك التوجه النبوي بقوله: ”كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا بُشِّرَ بِجَارِيَةٍ، قَالَ: رَيْحَانَةٌ، وَرِزْقُهَا عَلَى اللهِ“ [مستدرك الوسائل: ج 3 ص 114].

ولقد سار أئمة أهل البيت على خطى جدهم ﷺ، واقتفوا آثاره في تغيير النظرة التمييزية السائدة، التي تحط من الأنثى لحساب الذكر ولا تقيم لها وزناً.

قال الحسن بن سعيد اللّخمي: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَارِيَةٌ، فَدَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَرَآهُ مُتَسَخِّطاً، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَيْكَ: أَنْ أَخْتَارُ لَكَ أَوْ تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ، مَا كُنْتَ تَقُولُ؟!

قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ: يَا رَبِّ تَخْتَارُ لِي.

قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدِ اخْتَارَ لَكَ. [الكافي: ج 6 ص 10].

بهذه الطريقة الحكيمة أزاح الإمام الصادق رواسب الجاهلية المتبقية في نفوس الآخرين.

على أنّ الأكثر إثارة في هذا الصدد أن بعضهم اتّهم زوجته بالخيانة، لا لشيء إلا لكونها ولدت جارية! وعندئذ دحض الإمام الصادق هذا الرأي السقيم، الذي لا يستقيم مع العقل ولا الشرع، وكشف عن الرؤية القرآنية البعيدة.

عن إبراهيم الكرخي، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال: تَزَوَّجْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَيْفَ رَأَيْتَ؟

قُلْتُ: مَا رَأَى رَجُلٌ مِنْ خَيْرٍ فِي امْرَأَةٍ إِلا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِيهَا، وَلَكِنْ خَانَتْنِي.

فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟!

قُلْتُ: وَلَدَتْ جَارِيَةً.

قَالَ: ”لَعَلَّكَ كَرِهْتَهَا، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً“ [الكافي: ج 6 ص 8].

وعن الجارود بن المنذر قال: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّهُ وُلِدَ لَكَ ابْنَةٌ فَتُسْخِطُهَا! وَمَا عَلَيْكَ مِنْهَا؟! رَيْحَانَةٌ تَشَمُّهَا، وَقَدْ كُفِيتَ رِزْقَهَا، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَنَاتٍ"[الكافي: ج 6 ص 9].

ولقد قلب الإمام الصادق النظرة التمييزية التي تُقدِّم الذكر على الأنثى، رأساً على عقب، وفق نظرة دينية أرحب، وهي أن البنين نِعَمٌ، والبنات حسنات، والله تعالى يَسأل عن النِعَم ويثيب على الحسنات.

قال في هذا الصدد: ”الْبَنَاتُ حَسَنَاتٌ، وَالْبَنُونَ نِعْمَةٌ، فَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى الْحَسَنَاتِ، وَيُسْأَلُ عَنِ النِّعْمَةِ“ [الفقيه: ج 3 ص 481].

وعلى ضوء ما تقدم نجد أنّ مدرسة أهل البيت مارست عملية «الإخلاء والإملاء»:

إخلاء العقول من رواسب الجاهلية، وانتهاكها الصارخ لحق المولود في الوجود.

وإملاء العقول بأفكار الإسلام الحضارية، التي تبين للإنسان مكانته في الكون، وتصون حياته، وتكفل حريته وكرامته، وتراعي حقوقه منذ نعومة أظفاره، وعلى الخصوص حقه في الوجود، وعلى الأخص حق البنات في الحياة.

2 - حق الاسم الحسن:

للاسم تأثير نفسي واجتماعي كبير، فكم من الأولاد قد قضَّ مضجعه اسمه، نتيجة الاستهزاء والازدراء الذي يلاقيه من مجتمعه، فيتملكه إحساس بالمرارة والتعاسة من اسمه الذي أصبح قدراً مفروضاً.

ويحدثنا التاريخ أنّ النبي ﷺ كان يقوم بتغيير الأسماء القبيحة أو الأسماء التي تتنافى مع عقيدة التوحيد، واعتبر من حق الولد على والده، أن يختار له الاسم المقبول، قال رسول الله ﷺ: ”إِنَّ أَوَّلَ مَا يَنْحَلُ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ الاسْمُ الْحَسَنُ، فَلْيُحْسِنْ أَحَدُكُمْ اسْمَ وَلَدِهِ“ [مستدرك الوسائل: ج 14 ص 127].

وقد بيّن في حديث آخر الأبعاد الأخروية المترتبة على الاسم، فقال ﷺ: ”اسْتَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قُمْ يَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ إِلَى نُورِكَ، وَقُمْ يَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ لا نُورَ لَكَ“ [الكافي: ج 6 ص 22].

3 - حق التأديب والتعليم:

لا شك أنّ السنوات الأولى من عمر الطفل، هي أهم مراحل حياته، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة.

وسيأتي تفصيل ذلك إنشاء الله تعالى.

2 - حق العدالة والمساواة:

وهناك عدة شواهد من السنّة النبوية تعطي وصايا ذهبية للوالدين في هذا المجال، وتكشف عن الحقوق المتبادلة بين الجانبين، حيثُ يلزم الوالد من الحقوق لولده، ما يلزم الولد من الحقوق لوالده، يقول ﷺ: ”إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك“، وأيضاً يقول ﷺ: ”اعدلوا بين أولادكم في النُّحْلِ - أي العطاء - كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف“.

وفي قصة يوسف درس في كيفية معاملة الأبناء بالعدل والمساواة.. فهذا يوسف قريب من قلب والده يعقوب لأنّه توسّم فيه أمارات النبوة، لذا آثره على إخوته، فأثار ذلك حفيظتهم وبغضاءهم، وظهرت أمارة ذلك عليهم، مما دفع يعقوب إلى تحذير يوسف عندما قصّ عليه رؤياه وما تحمل من إرهاصات في رفعته وعلوّ شأنه، بأنْ قال له: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً.

ويحث الأئمة على الاستفادة من هذا الدرس القرآني الذي لا يُنسى، وقد وضعوه نصب أعينهم.. فعن مسعدة بن صدقة قال: قال جعفر ابن محمد : ”قَالَ وَالِدِي : وَاللَّهِ إِنِّي لأُصَانِعُ بَعْضَ وُلْدِي، وَأُجْلِسُهُ عَلَى فَخِذِي، وَأُكْثِرُ لَهُ الشُّكْرَ، وَإِنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ مِنْ وُلْدِي، وَلَكِنْ مَخَافَةً عَلَيْهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، لِئَلا يَصْنَعُوا بِهِ مَا فَعَلُوا بِيُوسُفَ إِخْوَتُهُ...“ [وسائل‏ الشيعة: ج 11 ص 246 ح 24517].

5 - الحقوق المالية:

ويتمثل في وجوب الإنفاق على معيشتهم، وتوفير حوائجهم الحيوية من طعام ولباس وسكن وما إلى ذلك، والشريعة تعتبر الأقربين أولى بالمعروف، والدينار الذي يُنفق على الأهل أعظم أجراً من الذي ينفق في موارد خيرية أخرى. كما أنّ الأولاد يرثون من الوالدين، فلا يُجوّز الإسلام حرمان الأولاد من نيل حقوقهم المفروضة لهم - كطبقة أُولى من طبقات الإرث - إلا في موارد نادرة كالارتداد، أو قتل الوالدين.

وحول ميراث الأولاد، قال تعالى: ﴿يوصيكُمُ اللهُ في أولادكُم للذّكر مثلُ حظِّ الأنثيين...، ويقول: ﴿ولكم نصفُ ما تركَ أزواجُكُم إن لَّم يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فإن كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ممَّا تَرَكنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أو دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُم إن لَّم يَكُن لَّكُم وَلَدٌ فإن كانَ لَكُم وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُم مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أو دَينٍ...