ثورة اجتماعية «36» الامام الحسين والواقفة
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» «33» الاحزاب
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» «61» ال عمران
هذه الحلقة أجريت قبل دخول شهر رمضان المبارك لهذه السنة الهجرية 1439، شهر الخير والبركة والغفران، وخلال رحلة عصرية قصيرة الى مملكة البحرين لمواساة اختنا المغتربة هناك في فقيدتها الوحيدة.
ورغم خوفنا من بعد المسافة والانتظار الطويل على الجسر بسبب زحام السيارات، وفقنا الله تعالى لحضور الصلاة عليها وتشييعها ودفنها.
كنا اربعة اشخاص خلال هذه الرحلة - انا وام الاولاد وولدي الاوسط وزوجته.
بدأ النقاش بتحرك السيارة من امام البيت بسؤال من زوجة ولدنا العزيزة: الاسئلة كثيرة يا عم، ولكن اذكر لنا من هي الواقفية وما هو معتقدها؟
الواقفية هم مجموعة من الشيعة الجعفرية التي كانت تدين بمذهب اهل البيت الى ان استشهد الامام موسى بن جعفر الكاظم على يد هارون العباسي.
وماذا حدث لها بعد ذلك؟
ذكر المحققون إنه بعد شهادة الامام الكاظم بالسم على يد بني العباس توقفت الواقفة عند امامته ورفضت امامة ابنه الامام علي بن موسى الرضا ، مدعية ان الامام الكاظم لم يمت ولكنه اختفى عن الانظار، وهم ينتظرون ظهوره لأنه مهدي آخر الزمان، لذا سميت بالواقفية.
وما الاسباب الذي ادى بهم للوقوف على امامة الامام الكاظم ؟
يذكر المؤرخون انه في عهد هارون العباسي كان الرصد على الامام قويا، وكان المنافقون والمتطلعون الى مناصب الدولة يتحينون الفرصة للإيقاع بالإمام، حتى قيل انه يجمع الاموال للانقلاب على الدولة العباسية. في هذا الوقت كانت هناك اموال بيد بعض من يعتقد انهم وكلاء للإمام لم يستطع الامام استلامها منهم وتوزيعها في مصرفها بسبب حراجة الموقف، فبقيت في ايديهم حتى تسلم الامام الرضا لمنصب الامامة، فرفضوا تسليمه تلك الاموال. [1] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 114 بتصرف.
ها قد علمنا سبب تسميتهم بالواقفة او الواقفية، ولكن ما علاقتهم بالإمام الحسين ، مع علمنا بان وقوفهم هذا كان بعد استشهاده، بل بعد استشهاد حفيده الامام الكاظم ؟
علاقتهم بالإمام الحسين علاقة عقيدة، فالاعتقاد بالإمام الحسين وحده دون الاعتقاد بالرسول ﷺ وبقية الائمة واحدا بعد واحدا لا يكفي، كما لا يكفي عند الله الايمان ببعض الانبياء دون بقيتهم. قال تعلى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» ﴿285﴾سورة البقرة
تقصد انه لا يكفينا الايمان بإمامة الامام المهدي لأنه امام زماننا، ويجب علينا الايمان بكافة المعصومين من لدن رسول الله ﷺ الى ولده الامام المهدي ، ولماذا ذلك؟
تلك الأمة التي اساسها الامام الحسين والذي جعلها دائمة باقية متنامية، هو ايمانها بجميع الانبياء بمن فيهم الرسول محمد ﷺ، وايمانها بجميع الائمة من امير المؤمنين علي ، الى آخرهم الامام المهدي . ولأنّ الحسين كلّه إن صعد وإن نزل ليس هو سوى نفحة واحدة من نفحات الرسول والرسالة، وليس هو سوى حسنة واحدة من حسنات أمير الموحّدين علي بن أبي طالب وبذرة مقدّسة للبتول فاطمة الزهراء ، ووريث الحسن المجتبى ، وأبو التسعة المطهّرين من ذريّة الرسول، وآخرهم المهدي المنتظر سلام الله عليهم أجمعين؛ فحقيقتهم واحدة فواحة. بخلاف المذاهب الاخرى التي تدين بالاعتقاد بأهل البيت من رسول الله ﷺ، ولكنها تقف عند بعضهم، ولا تكمل عقيدتها مع بقية الائمة الى الامام المهدي ، مما جعلها لا تتنامى بل تنقرض، كما انقرض الادارسة والواقفية، او مهددة بعدم التنامي والزيادة بالانقراض كالزيدية والاسماعلية، ولو طال الزمان بوجودها.
اذا لا يكفي لضمان الديمومة والزيادة الايمان الجزئي، بل لابد من الايمان بالجميع.
سؤال اخير؟!
تفضلوا.
لماذا التركيز في حياتنا اليومية على الامام الحسين كأنه الحقيقة الوحيدة الدائمة الحية من بين جميع المعصومين الاربعة عشر ؟
يذكر الباحثون ان للإمام الحسين خاصية مميزة كالتي كانت للرسول ﷺ، حيث نقل الرسول ﷺ الناس من الجاهلية الى الاسلام، وكذلك الحسين الذي نقل الناس من الصنمية التي كانت لبني امية الى حرية المعتقد الاسلامي الانساني، لذا قال الرسول ﷺ عنه «حسين مني وانا من الحسين». والاخرى ان الامام الحسين استشهد بطريقة عنيفة لم يتعرض لها حتى والده امير المؤمنين وقتل حتى اطفاله الرضع واخذ اهله ونساءه سبايا من الكوفة الى الشام.
هل يعني هذا ان الامام الحسين أفضل من غيره من الائمة؟!
هذا لا يعني ذلك بل ان لكل امام دور معين لا يقوم به الا هو بحسب الزمان والمكان الذي وجد فيه.
هل بالإمكان اعطائنا امثلة على ذلك، لتطمأن قلوبنا؟!
هذا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب حارب على التأويل كما حارب الرسول الله ﷺ على التنزيل كما جاء في حديث الرسول. كما انه حارب الناكثين «اهل الجمل»، والقاسطين «جيش الشام»، والمارقين «الخوارج».
وهذا الامام الحسن الذي اضطر للمصالحة مع معاوية، كما اضطر اباه من قبله للرضوخ للتحكيم بعد ان تخلت عنهما الامة الاسلامية.
وهؤلاء الائمة الاربعة من السجاد الى الكاظم الذي توجهوا الى تثقيف الامة ليعودوا بها الى الدين الاسلامي الخالص.
وهذا الامام علي بن موسى الرضا الذي اضطر الى القبول بولاية العهد لأسباب كثيرة، من ضمنها مجابهة الافكار المنحرفة في الامة، وما كان ليقوم بذلك لولا وجوده في البلاط العباسي. وثانيهما الضغوط باستباحة دمه التي مارسها المأمون عليه لتثبيت عرشه.
وآخرهم الامام المهدي الذي اضطر الى الغيبة عن الانظار مرتين صغرى وكبرى، لأسباب سياسية مورست عليه من قبل السلطات الحاكمة انا ذاك. وهذا لا يتنافى مع امر الله له بالغيبة لمصلحة يعلمها رب السماوات والارض، حتى يعود ليعم الخير والسلام بعد ان عم الخراب والدمار في الارض.
وعند وصولنا الى مكان العزاء قال ولدنا الحبيب: اعتقد ان هذا يكفي الى هنا ويكفي لإثبات ان لكل امام دوره المعد له سلفا ليقوم به نزولا عند الاسباب المادية في عصره.
عندها اوقفنا النقاش الى حلقة اخرى، وترجلنا متوجهين للقيام بواجب العزاء.