رمضانيات ”18“
ولوج طريق النور والابتعاد عن جاد الظلام، غاية سامية لدى الانسان في الحياة، خصوصا وان التخبط في متاهات الظلام، يقود الى الضياع الذاتي، واحيانا الى العزلة الاجتماعية، جراء سيطرة النوازع الشيطانية، على النفحات الرحمانية، مما يخلق كيانا بشريا، غير قادر على الاختيار الصحيح، والانغماس في اتجاهات مختلفة، الامر الذي يؤدي الى الخسارة، وعدم القدرة على تصحيح المسار، باتجاه الجادة الصواب.
الهداية بما تحمله من قيم فاضلة، تتبلور على شكل ممارسات عملية، في السلوك الروحاني مع الخالق، والمعاملة الخارجية مع الوسط الضيق، والمحيط الواسع، تلك الهداية بحاجة الى عناصر داعمة، وقادرة على رسم الطريق امام الانسان وإيقاظه من الغفلة، والاهواء الشيطانية، فالمرء بحاجة دائمة للتذكير، ومحاولة انتشاله من مكائد، النفس الامارة بالسوء، باعتبارها العدو الاشرس الذي يسعى لادخال المرء، في المهالك على اختلافها، لذا فان إنقاذ الانسان من تلك الاخطار الكبرى، يتطلب وجود القابليات الخارجية والداخلية، والاستعداد النفسي والجسدي، للتخلي عن المغريات الشيطانية، فهذه الاهواء تتحرك باتجاه ابقاء الانسان، أسيرها على الدوام، وتحاول قدر الإمكان قطع الطريق المؤدي، للارتقاء بالنفس للتعلق بالخالق.
الرسل والأنبياء، يمثلون الوسيلة القادرة على هداية الانسان، وانقاذه من شرور نفسه، حيث يتحرك الرسل والأنبياء، لإعادة المرء لجادة الصواب، والعودة للفطرة السليمة، وترك الشرك، وعبادة الذات او الأصنام، خصوصا وان تراكم الاعتقادات الخاطئة، واتباع خطوات الشيطان، تشكل من العوامل الاساسية، لانحراف الأقوام في العصور السالفة، مما يستدعي إرسال الأنبياء لتلك الاقوام لايقاف المسار المعوج، والعمل على البناء الاجتماعي السليم، وتحطيم التسربات المعنوية والمعادية المنحرفة، ”وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى? نَبْعَثَ رَسُولًا“، وبالتالي فان اصرار الانسان على ركوب الاخطار، وعدم استخدام الوسائل اللازمة، للوصول الى شاطئ الامان، يقود الى الهلاك في نهاية المطاف.
الاستعداد النفسي لتحمل تبعات الهداية، يشكل عنصرا حيويا، في الوصول الى طريق النور، ”وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ“، فالمرء مطالب بدفع ضريبة اختياره، فكل مسلك يحمل تبعات، ولكنها تختلف باختلاف نوعية، المنهج المتبع، وبالتالي توطين النفس يمثل المدخل للتمسك بالمنهج حتى النهاية، بينما يكون الفشل والسقوط في منتصف الطريق، المصير بالنسبة لاصحاب الهمم الضعيفة، الامر الذي يفسر نكوص الكثير من اتباع الرسل والأنبياء، مع شدة الابتلاء، وعدم القدرة على تحمل الاذى من الاقوام، حيث يعبر القرآن عن ظاهرة تساقط الاتباع بقوله ”وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ“.
المواسم الدينية تحفز بدورها المرء، على تنشيط النفس باتجاه طريق الهداية، فهذه المواسم تحدث في النفوس اثرا عميقا، لإعادة ترتيب البيت الداخلي للمرء، والعودة مجددا للخالق، لاسيما وان الاستمرار في ملذات الحياة يكرس الضياع، ويحرم الانسان من أبصار طريق الهداية، وازالة الغشاوة عن القلوب الغافلة، الامر الذي يفسر الأثر الإيجابي الكبير، الذي يحدثه شهر رمضان النفوس منذ الْيَوْمَ الاول، فهو يشكل نبراسا لإضاءة الطريق على الدوام.