رؤى في العمل الاجتماعي
تأملات في مواقف وكلمات الإمام الجواد (ع)
العمل الاجتماعي هو علم وفن ومهنة لمساعدة الناس على حل مشكلاتهم، وقد ظهر بعد الحرب العالمية الثانية. كما يمكن تعريف العمل الاجتماعي التطوعي بأنه مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من الأشكال.
وفي هذا الصدد ورد عن الإمام الباقر أنه قال: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسد جوعتهم وأكسو عورتهم فأكف وجوههم عن الناس أحب إليَّ من أن أحج حجة وحجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين».
ويعتمد العمل الاجتماعي على عدّة عوامل لنجاحه، ومن أهمها المورد البشري، فكلما كان المورد البشري متحمساً للقضايا الاجتماعية ومدركاً لأبعاد العمل الاجتماعي كلما أتى العمل الاجتماعي بنتائج إيجابية وحقيقية.
لذا نجد في كل مجتمع من المجتمعات فئة متميزة، ومتحمسة للتغيير، تأخذ على عاتقها خدمة المجتمع وتسعى جاهدة في حل مشاكله وقضاياه، ويمكن أن نطلق عليها بـ «رواد اﻹصلاح الاجتماعي». وهؤلاء الرواد أحوج ما يكونوا إلى قراءة تجارب العظماء والاستفادة من مواقفهم.
وتمثل سيرة اﻹمام الجواد رافداً وتجربة رائعة من شأنها أن تغذي المصلحون بما يحتاجونه من رؤى وبصائر، ونود هنا أن نستلهم بعض الرؤى من سيرة اﻹمام الجواد في البعد الاجتماعي وذلك من خلال عرض بعض الصور والشواهد:
حينما تكون موقعية اﻹنسان مميزة في المجتمع، وعندما تكون لديه القدرة في التواصل مع الجهات العليا، وحينما تنظر إليه الناس نظرة ترتجي منها حل ما تعانيه من مشكلات حينها تقع عليه المسئولية الكبرى في التصدي لحل قضايا الناس. وهذا ما كان يتمتع به اﻹمام الجواد فقد روى أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم. فقلت له: وأنا على المائدة: إنّ والينا جعلت فداك يتولاكم أهل البيت يحبّكم وعليَّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ، فقال : لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك انّه على ما قلت: من محبيّكم أهل البيت ، وكتابك ينفعني، واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة:
«أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك واعلم أنّ الله عزّ وجلّ سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل..»
كما أن الإمام الجواد كان مواسياً للناس في البأساء والضرّاء، يعيش معهم همومهم ويتألم ﻷلمهم، وفي هذا الصدد ذكروا: أنه قد جرت على إبراهيم بن محمّد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي، فكتب إلى الإمام الجواد يخبره بما جرى عليه، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة: «عجّل الله نصرتك على من ظلمك، وكفاك مؤنته، وابشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله، وبالآخرة آجلاً، وأكثر من حمد الله..»
كما أن الإمام الجواد كان يحث الناس لأن يكونوا من أهل المعروف ويسعون في قضاء حوائج المحتاجين، فعن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا جعفر يقول: «إن في الجنّة باباً يقال له المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف، فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت بما أتكلف من حوائج النّاس، فنظر اليَّ ، فقال: نعم تمّ على ما أنت عليه فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك»
من خلال هذه المواقف المشرفة يمكن أن نستنتج من هذه الصور بعض النقاط:
حينما نرغب في تأسيس مشروع اجتماعي معين، علينا أن ننظر إلى مسألة احتياجات الاجتماعية، ويجب أن يكون المشروع يسهم في حل قضايا ومشاكل المجتمع، أي أن تكون هناك حاجة لمثل هذا المشروع.
أو أن يكون المشروع مسانداً وداعماً لمشروع ما سبقه، وأن يكون هناك تكامل وتواصل فيما بين الأعمال، فكل عمل يكمل العمل الآخر، ففي هذا العمل النتائج الطيبة، والتقدم الاجتماعي.
لابد ممن يمارس العمل الاجتماعي أن يكون على قناعة تامة بما يقوم به، وأن ينطلق من وحي ذاتي، وليس محاباة لجهة أو شخصية معينة.
إن من تكون له قناعة بضرورة العمل الاجتماعي فإنه يتمسك به ويتفانى في الخدمة ويبدع في المشروع، وهذا هو المطلوب.
العمل الاجتماعي حين يطبق بصورة ارتجالية دون أي تخطيط فإنه لا يؤتي ثماره وتكون النتائج غير مرضية، لذا لابد من التخطيط الجيد للعمل وعدم الارتجال أو التسرع في تنفيذ العمل دون أي تخطيط ولهذا يقول اﻹمام الجواد : « إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له». فلا بد من إحكام ودراسة العمل بصورة كافية ثم الانطلاق في العمل.
من اﻷمور الجيدة في العمل أن تكون هناك هئية استشارية، تقدم الاستشارة والنصيحة ﻷفراد العمل الاجتماعي، فالعقلية الجماعية لها تأثيرها في إنضاج الفكرة ومن ثم نتيجة العمل تكون مرضية، وفي هذا الصدد يقول اﻹمام الجواد : « المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه».
كانت تلك بعض الصور وبعض التأملات التي استنتجناها من سيرة اﻹمام الجواد .