الاستشارة «دسّم الشوارب»
«إن الإنسان خبير في تخريب جمال اللحظة».
ألكسندر جوليان
«دسّم الشوارب»، مسمى لدى المجتمع الخليجي، يُعنى بدهن الشارب، بكونه كناية عن الأكل الدسم، وعلى - سبيل المثال لا الحصر -، أن تأتي الإنسان دعوة لحضور وليمة أو «ذبيحة» أو يُعطى من المال ما يكفيه، حتى يأكل من الدسم. يقال: إنها في الزمن السابق - الماضي - يُعتبر الدسم نعمة أثناء الجوع، لهذا يُقال للضيف، تفضل دسّم شواربك. إن ثقافة الاستشارة، في مكنونها أن تحل الكثير من المشاكل الأسرية والاجتماعية، كذلك ما يعترض العمل الاجتماعي والرياضي، التي يعانيها الإنسان. إن اختناق ثقافة الاستشارة، تجعل الإنسان في معاناة قد يطول أمدها. وعليه لنقبل على الاستشارة، كثقافة «دسّم الشوارب»، فإن الاستشارة مائدة ثرية بكل الفائدة، لتمنحنا لذة الحياة، عيشًا سعيدًا.
خطر في عالمي الذاتي خاطر، ألا وهو: إن العمل في المؤسسات الاجتماعية والرياضية، لو أنها تجعل لإنسان ما، يتمتع بالخبرات والأفكار، ورجحان العقل والتعقل، وجعله في زاوية ما - لهم حرية تسميتها -، لعرض الأعمال عليه ورفع تقارير عنها، وضعها بين يديه، ليدرسها ويفيدهم بآرائه وتوصياته وتطلعاته، إنه بهكذا فكرة، أليس الكثير من المشاكل، التي يعانون منها، ستحل أو يقل مقدار سلبيتها. عندما كنا نحضر بعض ورشات العمل، المعنية بتأهيل المقبلين على الزواج، نُصغي للمحاضر، الذي يعرض علينا مواقفًا، لبعض الأزواج، الذين يطلبون استشارات، وبعد تلقيهم الاستشارة، تحل المشكلة، التي يعانون منها. حري بنا أن لا تكون لدينا عقدة نفسية في التواصل مع المختصين، أكانوا أسريين أو نفسيين أو اجتماعيين، مرورًا إلى الآخرين من الأخصائيين. إن الصورة الذهنية، إذا ما كانت ثابتة لا تقبل التغيير، فإنها حين تكون صائبة لا إشكال، فيها، وإن كانت خاطئة، فإنها تُعد مشكلة، لذا فتح خيارات جديدة، لصورة ذهنية أخرى، لأمر منطقي. إن مشكلة الشاعر قيس ليلى أنه تمسك بثبوت ليلاه، كمصورة ذهنية، إما هي أو لا. وعليه إن كان من المُستطاع أن تكون ليلاه معه، لن تكون هناك مشكلة، لكن حين لا تكون معه، فإنها مشكلة والحل يكمن في البديل، المعني بتغيير الصورة الذهنية.
إن تغيير الصورة الذهنية، في بعض جزئيات حياتنا وأعمالنا الاجتماعية، ينبغي أن لا تكون ثابتة، لتتغير، بعيدًا عن الكبرياء في التمسك بها. وهذا يتطلب تذويب الكبرياء بداخل نفوسنا وأدمغتنا، لنفتح الشرفات في استيعاب الكفاءات، وليس الاستيعاب فحسب، وإنما البحث عنهم - الكفاءات -، وإشراكهم في العمل الاجتماعي والرياضي، وإن كان بالاستفادة من أفكارهم وتوجيهاتهم وملاحظاتهم. إن كنت تريد أن تنجح لا تنظر إلى الآخرين، ليقدموا لك النصيحة والفكرة والملاحظة والنقد، بل ابحث عنهم لتطرق بابهم، وتدعوهم لأن يُفيدوك، سعيًا في النجاح. لذا ينبغي التفريق بين - ما سبق ذكره -، وبين النقد، الذي يصدق القول عنه بأنه نقد ”مشخصن“. يُحكى بأنه كان يسير رجلاً بين الأزقة القديمة لمدينته الأثيرة ”طوكيو“، لمح طفلاً، يلعب وحده لعبة لم يبصرها أحد سواه في حياته، مستغرقًا، لتأخذ كل عقله عن الصراخ والصخب الصادر من الأطفال، الذين يلعبون في الزقاق. كانت اللعبة الغريبة تتكون من خيط متوسط السماكة مربوط بعجلة خشبية صغيرة بحجم نصف الكف، وقد دار عليها الخيط دورات عديدة، وما إن سحب الطفل الخيط بخفة وقوة، حتى تنساب العجلة الصغيرة صعودًا ونزولاً بطريقة جميلة ومثيرة، فأعجب الرجل بتلك اللعبة وقدح فكره في استثمارها وتصنيعها بالجملة، فظهرت إلى العالم وللمرة الأولى لعبة اسمها ”اليويو“ وكان أن ربح منها الملايين وانتشرت في كل بقاع الأرض، ولما كان الرجل منصفًا وإنسانًا كبيرًا، سأل نفسه في يوم من الأيام عن مصير الطفل، الذي استفاد بسببه من الفكرة، بحث عنه إلى أن وصل إليه وتبناه ورعاه وتبرع له بحصة طيبة من أسهم المصنع، ويومًا بعد يوم كبر الطفل وأصبح شابًا مسؤولاً عاشقًا لعمله ومديرًا لمصنع ”اليويو“ المشهور، الذي انطلق من أحد الأزقة المنسية في ”طوكيو“.