تجليات رمضانية - 14
على خلفية ما كتبته سابقاً «الصوم مرتبط بعطف الوالدين على أبنائهم» سألني بعضهم، هل يمكننا أن نتلمس ما هو الهدف الإسلامي في تربية المسلم لأبنائه؟
فسألته عن سبب سؤاله هذا السؤال؟
فأجاب: عندما عرضت رأيك على جملة الآباء والأمهات شاهدت عزوفاً عن تقبلهم لهذه الفكرة، بينما انهالوا مديحاً على مقالتك «الصوم مرتبط ببر الأبناء للوالدين».. فاستغربت: أليس هذا تناقض في المواقف؟!
فتبسمت، وقلت: لقد كتب لي بعض أعزائي من الأصدقاء: «إنَّ رحمة الآباء لأبنائهم هو شيء في جبلة الآباء»..
وأعقبت بالقول: أنت لا تعيش في مجتمع مؤسسات مدنية تربوية، تحاكم مؤسساتها بالمنهج التربوي العلمي. أنت جزء من ذهنية القبيلة والعشيرة، والوالدان جزء من هذه الذهنية، إنها ثقافة «الراعي والرعية».. ولكن ليس بمفهوم الإسلام الصحيح، بل بالمفهوم القبلي الصارم.
وأرشدته بأهمية أن يقرأ كتاب المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله: «دنيا الطفل».
فما هو هدف التربية في الإسلام ولماذا نربي الطفل؟
إنّ هدف التربية هو إعداد الإنسان المسؤول عن الكون والحياة، سواء على مستوى انفتاحه على الله، أو انفتاحه على الناس، أو انفتاحه على نفسه...
وعلى الرغم من ضعف الإنسان، لكونه خلق ضعيفاً، ﴿وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾. لكن لديه قابلية أخذ القوة.
وعلى الرغم من أنّ الإنسان خلق سريع الحركة والانفعال، ﴿خُلِقَ الأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾، لكن لديه قابلية الوصول إلى التأني...
فدور التربية إذن:
1 - أن تؤسس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والروحية والذهنية والاجتماعية..
2 - أن تنمي معرفته بالنشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري.
3 - أن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحول فيه الطفل إلى تجسيد حي لتلك القيم، حيث تقوم تربيته على الصدق في شخص صادق وتربيته على الأمانة في شخص أمين وهكذا..
4 - تجسيد القيم في الإنسان ونقلها من عالم المفاهيم المجردة إلى عالم الحركة في الحياة، بحيث يتحول الإنسان نفسه إلى قيمة متجسدة، بدرجات متفاوتة في التجسيد تبعاً لتفاوت المؤهلات، هذا ما يمكن أن نفهمه من حديث وصف النبي ﷺ: ”كان خلقه القرآن“، بحيث إنه ﷺ تحول إلى قرآن متحرك.
إذن، دور التربية هو أن تؤصل القيم النبيلة في حركة الإنسان في الواقع.
قال رسول الله ﷺ: ”أَكْرِمُوا أَوْلادَكُمْ وَأَحْسِنُوا آدَابَهُمْ يُغْفَرْ لَكُمْ“.
وقال ﷺ: ”رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ بِالإحْسَانِ إِلَيْهِ وَالتَّأَلُّفِ لَهُ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ“.
وقال ﷺ: ”نَظَرُ الْوَالِدِ إِلَى وَلَدِهِ حُبّاً لَهُ عِبَادَةٌ“.
إنَّ الله وضع لنا هذا الزمان «شهر رمضان» لنتغير، فجعله الله متغيراً لنستوعب هذا الدرس الحقيقي من هذا الشهر المبارك.