تجليات رمضانية - 12
الصوم مرتبط ببر الأبناء للوالدين، وعدم الإساءة لهما.
وقد جاء القرآن بخطين متجاورين:
الخط الأول: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾، وهو يمثل القاعدة التي تتفرع منها كل الخطوط، وهو توحيد العبادة لله، من خلال ما تمثله من الخضوع والطاعة والاستسلام لأوامره ونواهيه في كلّ شيء.
الخط الثاني: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾، وهو الخط العملي ”الذي يثير في الإنسان الإحساس به، عندما يستشعر الإحساس بالله، فإذا كان الله هو السبب الأعمق في وجوده، فإنّ الوالدين يمثلان السبب المباشر لهذا الوجود، وإذا كان الله هو الذي أنعم عليه بكل النعم التي جعلت لحياته قوةً واستمراراً، فإنَّ الوالدين قد عملا بكل ما لديهما من جهد ومعاناة وتضحية في سبيل تحريك عناصر الامتداد في عمق وجوده“.
ولذا امتلأت الأحاديث عن النبي وأهل بيته «صلوات الله عليهم أجمعين» ما يقف الإنسان حزيناً أنه بموتهما قد فقد الإحساس بهذه النعمة الغامرة:
1 - في الصحيح: عن أبي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ - الإمام جعفر الصادق - عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾: مَا هَذَا الْإِحْسَانُ؟
فَقَالَ : ”الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ صُحْبَتَهُمَا، وَأَنْ لَا تُكَلِّفَهُمَا أَنْ يَسْأَلَاكَ شَيْئاً مِمَّا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ؛ أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾“.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : ”وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما﴾.. إِنْ أَضْجَرَاكَ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ، وَلَا تَنْهَرْهُمَا إِنْ ضَرَبَاكَ“.
قَالَ : ”﴿وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً﴾.. إِنْ ضَرَبَاكَ فَقُلْ لَهُمَا: غَفَرَ اللهُ لَكُمَا، فَذَلِكَ مِنْكَ قَوْلٌ كَرِيمٌ“.
قَالَ: ”﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾.. لَا تَمْلَأُ عَيْنَيْكَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا إِلَّا بِرَحْمَةٍ وَرِقَّةٍ، وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فَوْقَ أَصْوَاتِهِمَا، وَلَا يَدَكَ فَوْقَ أَيْدِيهِمَا، وَلَا تَقَدَّمْ قُدَّامَهُمَا“ «الكافي: ج 2 ص 157؛ من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 292».
2 - وفي الصحيح: عن مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قال:
قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا : أَدْعُو لِوَالِدَيَّ إِذَا كَانَا لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ؟ - بمعنى أنهما ليسا على ديني وطريقتي -.
قال : ”ادْعُ لَهُمَا، وَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ لَا يَعْرِفَانِ الْحَقَّ فَدَارِهِمَا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِالرَّحْمَةِ، لَا بِالْعُقُوقِ“ «الكافي: ج 2 ص 159».
3 - وفي الحسن أو الصحيح: عن هشام بن سالم:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ - الإمام جعفر الصادق -، قال: ”جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمَّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبَاكَ“ «الكافي: ج 2 ص 162».
4 - وفي الحسن أو الصحيح: عن عبد الله بن المغيرة، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ”كُنْ بَارّاً وَاقْتَصِرْ عَلَى الْجَنَّةِ، وَإِنْ كُنْتَ عَاقّاً فَظّاً فَاقْتَصِرْ عَلَى النَّارِ“ «الكافي: ج 2 ص 348».
5 - في الصحيح: عن سَيْفِ بن عَمِيرَةَ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ، قال: ”مَنْ نَظَرَ إِلَى أَبَوَيْهِ نَظَرَ مَاقِتٍ - وَهُمَا ظَالِمَانِ لَهُ - لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً“ «الكافي: ج 2 ص 349».
6 - وفي الصحيح: عن الإمام جعفر الصادق قال: ”أَدْنَى الْعُقُوقِ أُفٍّ، وَ لَوْ عَلِمَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَيْئاً أَهْوَنَ مِنْهُ لَنَهَى عَنْهُ“ «عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 44».
7 - وما أروع فقرات دعاء الإمام علي بن الحسين لوالديه حيث يقول في جملة منه: ”اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الاُمِّ الرَّؤُوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا وَاُقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ. أللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلاَمِي، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً...“.