نصف قرن على الهزيمة
تمر على الشعوب العربية ذكرى أليمة ومفجعة ولا تزال تداعياتها وتجلياتها ماثلة في العمق حتى وقتنا الحاضر، وهي مرور نصف قرن على هزيمة العرب في يونيو «حزيران» 1967
استطاعت إسرائيل خلال تلك الحرب العدوانية الخاطفة التي لم تدم سوى ستة أيام هزيمة وتحطيم جيوش ثلاثة دول عربية «مصر وسوريا والأردن» وكان من نتائجها احتلال إسرائيل لبقية الأراضي الفلسطينية «الضفة الغربية وقطاع غزة» وبما في ذلك القدس الشرقية، إلى جانب احتلال سيناء المصرية والجولان السورية.
لقد مثلت الهزيمة العربية المدوية على يد الجيش الإسرائيلي، بالنسبة للشعوب العربية، وخصوصًا لمن هم في جيلي آنذاك، صدمة وذهولاً وفاجعة، وانهيارًا مخيفًا لآمال وأحلام وربما لأوهام حول إمكانية استعادة الحقوق الفلسطينية المهدورة من قبل التحالف الصهيوني - الغربي الذي عمل على إقامة دولة إسرائيل ككيان احتلال عنصري غاصب.
ومع أن العرب وبالأحرى الجيوش العربية استعادت بعض كرامتها وكبريائها في حرب أكتوبر 1973 والمتمثل في العبور إلى سيناء المصرية، وتحرير مدينة القنيطرة السورية في الجولان، كما كان للتضامن العربي الأثر الفعال الذي تجسد في قرار المرحوم الملك فيصل بقطع البترول عن الولايات المتحدة والغرب، مشكلة الصدمة النفطية الأولى لهما. غير أن السادات اعتبرها وأرادها باعترافه حرب تحريك، وليس حرب تحرير، هو ما أدى في التحليل النهائي إلى إجهاض نتائجها الإيجابية.
لم تكن هزيمة يونيو1967 هزيمة عسكرية فقط، إنها في المقام الأول هزيمة لتيار تصدر المشهد العربي على مدى سنوات، والمتمثل تحديدًا في نظم تطرح شعارات وأهدافًا وطنية وقومية، لكنها عسكرية من حيث المضمون، وبغض النظر عن الواجهات الحزبية والمدنية التي تتلحف بها، أو المكاسب الاقتصادية - الاجتماعية التي تحققت تحت قيادتها.
وهنا لا يمكن تجاهل التأثير المدمر للممارسات القمعية، وكانت النتيجة أن الانقلاب الذي صادر الدولة باسم المجتمع عاد وانقلب على المجتمع من خلال تهميشه وإبعاده عن دائرة صنع القرار حيث جرى شخصنة الدولة والسلطة من خلال الزعيم الذي استند إلى الأيدلوجية الشعبوية «الوطنية والقومية» التي حظيت في البداية بتأييد وزخم جماهيري واسع، خصوصًا مع توالي الإنجازات الملموسة.
الأنظمة العربية ذات التوجه القومي، وبتكويناتها المختلفة صادرت حق الجماهير في الحرية والتنظيم الطوعي المستقل، وفرضت خطابًا شعبويًا يستلهم الزعيم القائد «عبد الناصر» أو الحزب القائد «البعث» انطلاقًا من موضوعه أولوية الديمقراطية الاجتماعية ومفهوم تحالف قوى الشعب العامل.
وإزاء المخاطر والمؤامرات الاستعمارية والصهيونية جرى تقنين الحريات، وفرضت حالة الطوارئ، وأنشئت المحاكم العسكرية، ووضعت الصحافة وأجهزة الإعلام تحت التوجيه والرقابة المباشرة. وبكلمة فإن شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة تمثل في التطبيق العملي في إخراس كل الأصوات المعارضة والمختلفة، بما في ذلك الشرفاء الحريصون على خدمة الوطن والدفاع عن المصالح القومية والوطنية الذين اعتبروا أن قضية الديمقراطية والحريات مسألة أساسية في المواجهة الوطنية والقومية من أجل الاستقلال والتحرر والتنمية والتقدم والوحدة.
وقد استعادت القوى الطبقية القديمة بالتحالف مع القوى الطبقية «البيروقراطية» الجديدة مواقعها وسيادتها مع العد العكسي لأفول واندحار مرحلة التحرر الوطني وخصوصًا في أعقاب هزيمة يونيو 67، والموت المفاجئ لعبد الناصر، ومجيء السادات الذي انقلب على إرث ومنجزات العهد الناصري مستندًا إلى الأجهزة نفسها التي ورثها من عبد الناصر.
بعد مرور نصف قرن على هزيمة حزيران، تعيش الشعوب العربية مرحلة تعد الأسوأ في تاريخها الحديث، حيث تتصدر الحروب الأهلية والصراعات «الدينية والمذهبية والمناطقية والإثنية» الدموية، وما أفرزته من تفتت وانقسام الأوطان والدول والشعوب، كما تطغى مشاهد الفقر والبطالة والفساد والتهجير القسري، الذي طال عشرات الملايين من الناس.