تجليات رمضانية - 7
الإنسان الذي يعيش - دائماً - إلى جوار الطعام والشراب، واللذائذ المتنوعة، لا يكاد يحسّ بقيمة الجوع والعطش، وهو كمثل الشجر المنزلي الذي يعيش إلى جوار جدول ماء وفير، ما إن ينقطع عنه الماء يوماً حتى تشعر بذبوله واصفراره..
وأما الشجرة التي تنبت في الصحراء، فهي شجرة قوية تقاوم الحياة. وكما يصفها الإمام علي : ”أَلَا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، والرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً“.
ويقول ، في الصوم: ”فَرَضَ اللهُ... الصِّيَامَ ابْتِلَاءً لإِخْلَاصِ الْخَلْقِ“. فالصوم أشبه بدورة تدرِّب الصائم على ضبط الشهوات والسيطرة عليها لمدة شهر كل عام؛ ليتعلم الإنسان فيه بعضاً من قوة الإرادة، وصلابة العزيمة، والسيطرة على الدوافع والانفعالات في سلوكه العام في الحياة.
وفي الحديث القدسي ”الصَّوْمُ لِي وأَنَا أَجْزِي عَلَيْه“، لنعي أنَّ هذه الفترة التدريبية ستكون في حضرته سبحانه تعالى، أي أنّه يراقبك وأنت تتدرب، والذي يتدرب أمام الله، فمن الطبيعي أن يكون تدريبه مركزاً.
فبمقدار عمق النيّة وتدريب الجوانح والجوارح على حكومة العقل وحاكميته، يتحقق تحرير العقل من طغيان الغرائز فيربو الإخلاص ويتراكم، وتتعمق أبعاده.. وقد جاءت آية الصيام بتلك الإشارة الرائعة: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ومن الطبيعي أنَّ التقوى تحتاج إلى إرادة إيمانية، فيتمرن الصائم على ضبط النفس، وترك الشهوات المحرمة، والصبر عنها، فقد جاء في الحديث: ”الصيام نصف الصبر“..
إنَّ جهادنا الروحي مرتبط بالصوم بشكل وثيق؛ فهو يلجم الجسد الجامح أن يشرد بعيداً عن الطريق السوي.. فالصوم بالنسبة للشهوات كالماء بالنسبة للنار، وهي الوسيلة لحفظ العفة.
وأنت في لحظات قراءتك وتدبرك لآيات الله في قصة آدم وحواء، عليك أن تقف على أنَّ السبب الرئيس في كسر وصية الله، هو ضعف الإرادة من خلال انتصار الشيطان على الإنسان.
وقد وضع العالم الألماني جيهاردت كتاباً في تقوية الإرادة جعل أساسه الصوم، وذهب فيه إلى أنّ الصوم هو الوسيلة الفعّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسير ميوله المادية.