تجليات رمضانية - 6
في الحديث القدسي: ”الصَّوْمُ لِي وأَنَا أَجْزِي عَلَيْه“، فلا رقيب على الصائم إلا ربه، وفي ذلك تربية النفس على الخشية من الله تعالى في السر والعلن، وتلك الخشية تحقّق معنى الخوف منه سبحانه وتعالى؛ والخوف متعلق بالإدراك، وفاقد الإدراك هو من لا يخاف.. يقول الإمام علي : ”إنَّ أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفاً“.
ومتى تفاعل هذا المعنى في صومك فإنك - أيها الصائم - تترفع عن الشهوات استحياء من الله سبحانه. وإذا ما استبدت الأهواء بنفسك كنت سريع التذكر قريب الرجوع بالتوبة ﴿إنّ الذِينَ اتقَوا إذَا مَسهُم طَائِف مِنَ الشيطَانِ تَذَكرُوا فَإذَا هُم مُبصِرُونَ﴾.
وفي كل ذلك تربية لضمير الإنسان، فيصبح الإنسان ملتزماً بوازع من ضميره، من غير حاجة إلى رقابة أحد عليه. بل يتجلى عنده خوف من أن تنقطع علاقته بالله التي تحرص عليها.
قال طاووس اليماني: رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة، فإذا هو علي بن الحسين ، فقلت: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: إنك ابن رسول الله، والثاني: شفاعة جدك، والثالث: رحمة الله.
فقال : "يا طاووس: أما إنّي ابن رسول الله فلا يؤمنني؛ وقد سمعت الله تعالى يقول: ﴿فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾، وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى...﴾. وأما رحمة الله فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾، ولا أعلم أني محسن".