إنتاج حكماء.. أو أنتاج متعلمين..!!
الأحمق في اللغة العربية هو من قل عقله، وفسد رأيه، ومن يأتي بأعمال لا معنى لها، وهو من يتصرف في المجمل تصرف الطائش والذي يندفع نحو الأمور بلا روية..
وفي كل معاجم اللغة تنحصر الدلالة لمعنى الأحمق في قليل العقل، الطائش في أفعاله وتصرفاته.. ولهذا من الطبيعي جدا أن نجد حمقى متعلمين، ونجد حكماء غير متعلمين، لأن التعليم بشكل وبآخر أتجه نحو التلقين وتعبئة الذاكرة - مخزون الحفظ - ولم ينجح في صناعة الحكمة، وتخريج الحكماء..
ويظهر أن هذه مشكلة عميقة جدا، وقديمة جدا يقول الفيلسوف الروماني القديم مونتين «رأيت في حياتي الكثير من الحرفيين والمزارعين، هم أذكى وأكثر حكمة من رؤساء الجامعات». الحياة العملية تنضج وتنتج الحكمة، ودائما هناك مسافة فاصلة بين العلم والمعرفة وبين الحكمة.
في كتاب الله «ويعلمهم الكتاب والحكمة..». الحكمة هي أيضا تحتاج إلى تعليم، وتدريب وإكتساب، كما هو تعلم الكتاب هذه المسافة هي ذاتها التي يستوعبها الفلاسفة القدماء بتعبير - الفلسفة العملية - التي يجعلونها مقابل الفلسفة النظرية. وأبن سينا كان له توصيف جميل جدا، للمسافة بين التعليم والحكمة.. وأضدادها وهي الحماقة.. يقول بن سينا «ثمة عالم عقله أكبر من علمه، «أي يفهم كثيرا ويحفظ قليلا» وآخر علمه أكبر من عقله «أي يحفظ كثيرا ويفهم قليلا» ويخطأ أكثر، ويجنح للطيش وعدم الإتزان، العاطفي، والعقلي، والسلوكي...!.
هذا الأمر مقلق جدا - لأننا على الدوام ننتج متعلمين، ولا نحرص على أنتاج حكماء..! ولأننا نسعى لجعل البشرية أكثر علما.. أكثر من حرصنا على أن يكونوا أكثر حكمة وأقل خطأ وأكثر صوابا. وأعمق فهما. للمواقف والحياة..
إننا نملأ الذاكرة بمعلومات تاركين عن عمد - مسألة الحكمة - في إدراك الصواب والخطأ. هذه معضلة عسيرة أن لا يكون لدينا متعلمين يفهمون أفضل.. أكثر ممن يحفظون أكثر.. القيمة الأخلاقية للمعرفة في الحكمة أي في العمق والوعي ويقظة العقل.. وحياة القلب.. وليس في تركيب النظريات وإعادة تكوينها، ليس في الفك والتركيب للمفردات الخاصة. بكل جانب من جوانب العلم..
ولكن المسألة الأصعب في أنتاج الحكماء المتعلمين الخيرين.. المسألة الأصعب.. أن تنتهي العملية التعليمية في أنتاج المتعلم الأحمق «لا قدر الله». وهي أرذل ما يمكن أن تحصل عليه أمة من الأمم..!.
تعليمنا معطوب - بالعجز الفكري - والشلل، والعقم في أنتاج الحكماء المتعلمين..!. وظيفة النبوة أن تهب الإنسان المعرفة «الكتاب» وأن تهبه «الحكمة» ليرتفع بحكمته من خلال علمه..
هنا نستوعب كأمة عربية كيف خسرنا الكثير من حروبنا، وضيعنا الكثير من الفرص الكبيرة حولنا، وفرطنا فيما لا ينبغي التفريط فيه.. لأننا غالبا نجد المتعلم الأحمق.. وقليل ما نجد المتعلم الحكيم.. الذي يجعل حياة الإنسان أقل شقاء وأقل ألما.. الحكيم الخير.. كان الهدف الأخير من التعليم عند الفلاسفة القدماء.. وكانت الحكمة والخير في النفس والعقل هي النتيجة التي من خلالها يحكم على نجاح العملية التعليمية بأكملها أو يحكم عليها بالفشل..!
بناء على ذلك بوسعي أن أعد أنتاج المتعلم الأحمق.. فشلا في البنية والمنهج والرسالة والمحتوى للعملية التعليمية بتمامها وبكل سنواتها الممتدة.. حتى تلك المذيلة بالدال والألف.. والباء قبل الأسم.