آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:07 ص

علاقة الصوفية بفكرة الإمام المهدي

الشيخ حسين المصطفى

تقول الدكتورة سعاد الحكيم:

1. فكرة المهدي تضرب عمقاً في جذور الفكر الإنساني، لكأنها محفورة في قوالبه - الفكر - نفسية. فالكل على اختلاف مذاهبهم وتنوع عقائدهم وأحدية ميولهم، ما بين مادية وغيبية، ينتظر «يوماً موعوداً» يعم فيه العدل ويرتفع الظلم من العالم... فهذا اليوم ينتظره المفكر المادي الديني كلٌ من خلال بنيانه الفكري أو الفلسفي... وسواء أكان هذا اليوم يتمثل في شخص أَم في ارتفاع تناقض... أم... أَم يبقى هو «المنتظر».

لذلك لا نستطيع أن نقول أنّ فكرة المهدي هي إسلامية فقط أو شيعية أو صوفية خاصة... وإن كانت صيغتها الإسلامية بسيطة تتلخص من خلال الأحاديث الشريفة، بشخص يخرج في آخر الزمان يملأ الدنيا عدلاً بعد ما ملئت جوراً... ولن نتعرض لما تحويه هذه الفكرة للأوساط الفقيرة والمظلومة من جوانب نفسية تعويضية، لأننا بذلك نفرغ فكرة «المهدي» من دلالتها الفلسفية في بنيان أفسح لها مكاناً فيه.

2. اهتم الفكر الشيعي «بالمهدي». والفرق الوحيد بينه وبين الفكر الصوفي: أنَّ المهدي في الفكر الشيعي هو شخص معين بالذات وجد في زمن سابق... وبالتالي طرح أمامهم مشكلة هذه «الغيبة الطويلة...» وما الفائدة منها؟ والمبرر لها؟ على حين أنه احتفظ في الفكر الصوفي بصورة بسيطة نراها عند ابن عربي.

المهدي: خليفة لله، نص رسول الله على إمامته، فالعالم كله بانتظار ظهوره، اسمه: اسم رسول، وهو من آله.

يقول: ”... هذا الخليفة «المهدي» من عترة رسول الله. من ولد فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول الله“... ”كما أنه ما نص رسول الله، على إمام من أئمة الدين يكون بعده، يرثه، ويقفو أثره، ولا يخطئ، إلا المهدي خاصة. فقد شهد بعصمته في أحكامه..“.

"يظهر «المهدي» بكل صفات الولاية من فعل، فيبدل الأحكام في العالم:

من الجور إلى العدل.

من الجهل إلى العلم.

من الفقر إلى الغنى.

من الضعف إلى القوة.

وهذا التبديل أعطاه الحق القدرة عليه فهو: ولي وخليفة وإمام... يضاف إلى ذلك طاقة الهداية التي أكسبته الاسم: المهدي".

هل يمكن أن يتحقق كلام أئمة التصوف؟ أم يبقى كلامهم نظري فقط؟

من الفرق الإسلامية مَنْ يرى أنه في آخر الزمان سيظهر كائن جبار يسمى الدجال وسينزل عيسى بن مريم الذي كان رسولاً إلى بني إسرائيل سينزل من السماء لقتل هذا الكائن الضخم وسيظهر في تلك الفترة ملك أو خليفة عادل يتلقب بالمهدي ليقيم المملكة الإسلامية وبمساعدة عيسى بن مريم ستغزو المملكة الإسلامية كل العالم وتخير الناس بين الإسلام أو القتل حيث أنّ الجزية ستُلغى ويحل محلها الإسلام أو القتل.

ويعتمدون في هذا التفريق بين شخصية المهدي وشخصية المسيح على الأحاديث النبوية التي تذكر المهدي بأنه من آل محمد ﷺ واسمه اسم النبي ﷺ. أما المسيح فمعروف أنه من بني إسرائيل وقد رفع إلى السماء في وجهة نظرهم وسينزل منها.

ونحن لا ننكر هذه الأحاديث ولكن لا نأخذها على ظاهرها وإنما نفهمها ونعقلها ونعتمد في فهمنا على كتاب الله القران الكريم وأحاديث النبي ﷺ وأقوال الأئمة والعلماء.

وهنا لا بد من توضيح بعض الأمور الهامة التي تساعدنا في فهم وجهة النظر:

معنى «آل محمد»:

لا بد أولاً من فهم معنى «آل محمد» حتى يتسنى لنا فهم جملة أنّ المهدي من آل محمد.

يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية: ”و «الآل» يُعَظّمُ الأشخاص. فَعُظْمُ الشخص في «السراب» يسمى «الآل». ف «آل محمد» هم العظماء بمحمد. ومحمد ﷺ مثل السراب يُعَظِّمُ من يكون فيه وأنت تحسبه محمد العظيم الشأن كما تحسب السراب ماءاً وهو ماء في رأي العين“ انتهى.

ومعنى هذا الكلام أنّ كلمة «آل» في اللغة العربية تعني السراب. ومعنى آل محمد هو الشخص الذي إذا رأيته حسبته محمداً من شدة ما بينهما من تشابهه في الخُلُق ولكن ليس هو محمد على الحقيقة. كما أنك ترى السراب في الطريق أو في الصحراء تحسبه ماء وهو ليس بماء على الحقيقة.

وهذا هو معنى قول النبي ﷺ: ”خُلقه خُلقي“، وقوله ﷺ: ”اسمه اسمي“، فالاسم يأتي بمعنى الصفة كما نقل الله تعالى عن عيسى : ﴿ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد، فالرسول الذي جاء بعد المسيح اسمه محمد فدلّ ذلك على أنّ كلمة ”اسمه“ في الآية الكريمة ليس الاسم الذي سيُعرف به بين الناس وإنما معناه صفته أنه كثير الحمد.

والخلاصة من ذلك أنّ الإمام المهدي سيكون مظهراً كاملاً للنبي ﷺ حتى إذا رأيته فكأنما رأيت النبي ﷺ بخُلقه وصفته.

المهدي منا أهل البيت:

نأتي الآن إلى معنى قول النبي ﷺ أنّ المهدي من أهل البيت، وهنا انقل كلام الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية المجلد الحادي عشر حيث يقول:

"ولما كان رسول الله ﷺ عبداً محضاً قد طهَّره الله وأهل بيته تطهيراً وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم - فإنّ الرجس هو القذر عند العرب هكذا حكي الفراء. قال تعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فلا يضاف إليهم إلا مُطهر ولا بد. فإنَّ المضاف إليهم هو الذي يشبههم. فما يُضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس. فهذه شهادة من النبي ﷺ لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة؛ حيث قال رسول الله ﷺ فيه: «سلمان منا أهل البيت» ".

ثم يقول الشيخ الأكبر: ”فدخل الشرفاء أولاد فاطمة كلهم ومن هو من «أهل البيت» مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية“ انتهى.

وهذا هو معنى وصف النبي ﷺ للمهدي أنه من أهل البيت أي أنه مُطهَّر ومقدَّس، وداخل في نطاق هذه الآية مثل سلمان الفارسي.

إطلاق أسم الشيء على شبيهه:

هذه نقطة مهمة هل يمكن أن يُطلق اسم شيء ما على شيء آخر لوجود تشابهه بينهما؟

الجواب: نعم. وقد استخدم القران الكريم هذه الطريقة في قوله: ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ «الشعراء: 53 - 59».

يقول الله تعالى هنا بعد أن ذكر قصة موسى مع فرعون أنّ الله سبحانه وتعالى قد أخرج فرعون وقومه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم؛ وذلك بإغراقهم في اليم، وأنّ الذي ورث هذه الحياة الكريم والملك العظيم هم بنو إسرائيل، ومن المعروف أن قصة فرعون مع موسى قد حدثت في مصر.

فهل ورث بنو إسرائيل ملك مصر؟

لا، ولكنهم ورثوا ملك فلسطين.

إذاً كيف يقول الله تعالى ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ؟

الجواب هنا: هو المشابهة؛ أي أنَّ الله قد أعطى لهم ملك فلسطين الذي يشبهه ملك مصر فكأنهم قد ورثوا ملك مصر.

إذاً عندما نقول أنّ معنى مجيء المسيح عيسى بن مريم يعني شخص من الأمة الإسلامية يشبهه في الفضل فقولنا ليس ببدعة وقد أستخدمها القرآن الكريم نفسه.

كذلك أطلق النبي ﷺ على أبي جهل لقب «فرعون»، كما ورد في كتاب البداية والنهاية، عندما رآه النبي ﷺ مقتولاً، فقال: ”الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله؛ هذا فرعون هذه الأمة“. مع أنّ أبا جهل لم يكن مصرياً ولا فرعونياً ولكن لأنه قام بأعمال عدائية ضد النبي محمد ﷺ مثل التي قام بها فرعون ضد موسى فاستحق أن يُطلق عليه اسم فرعون.

علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل:

وفي قول النبي ﷺ: ”العلماء ورثة الأنبياء“، وقوله: ”علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل“، في ذلك دلالة على أنه يمكن لعالم ربانيّ من الأمة الإسلامية أن يصل إلى درجة نبي من الأنبياء السابقين ويدعى في السماء باسمه.

وقد ذكر الشيخ محي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات المكيّة كلاماً لطيفاً عن وراثة العلماء للأنبياء حيث يقول في المجلد الرابع: ”فالوارث الكامل من الأولياء منا، من انقطع إلى الله بشريعة رسول الله ﷺ إلى أن فتح الله له في قلبه في فهم ما أنزل الله عز وجل على نبيه ورسوله محمد ﷺ بتجلي إلهي في باطنه. فرزقه الله الفهم في كتابه عز وجل وجعله من المُحدثين في هذه الأمة. فقام له هذا مقام الملك الذي جاء إلى رسول الله ﷺ. ثم رده الله إلى الخلق يرشدهم إلى صلاح قلوبهم مع الله، ويفرق لهم بين الخواطر المحمودة والمذمومة. ويبين لهم مقاصد الشرع وما ثبت من الأحكام عن رسول الله ﷺ وما لم يثبت، بإعلام الله ﴿آتاه رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علماً فيُرقى هممهم إلى طلب الأنفَس بالمقام الأقدس، ويرغبهم فيما عند الله، كما فعل رسول الله ﷺ في تبليغ رسالته. غير أنّ الوارث لا يحدث شريعة ولا ينسخ حكماً مقرراً. لكن يُبين. فإنه على ﴿بينة من ربه وبصيرة من علمه، ﴿ويتلوه شاهد منه بصدق أتباعه. وهو الذي أشركه الله تعالى مع رسوله ﷺ في الصفة التي يدعو إلى الله فأخبر تعالى وقال: ﴿أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وهم الورثة. فهم يدعون إلى الله على بصيرة. وكذلك شركهم مع الأنبياء في المحنة وما ابتلوا به فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ، وهم الورثة فشرك بينهم في البلاء، كما شرك بينهم في الدعوة إلى الله“ انتهى.

ويقول في المجلد الرابع: ”ومن الرجال الواصلين، من ليس لهم معرفة بهذا المقام، ولا بالأسماء الإلهية. ولكن لهم وصول إلى حقائق الأنبياء ولطائفهم. فإذا وصلوا، فُتح لهم باب لطائف الأنبياء، على قدر ما كانوا عليه من الأعمال في وقت الفتح. فمنهم من تتجلى له حقيقة موسى فيكون موسوي المشهد. ومنهم من تتجلى له لطيفة عيسى. وهكذا سائر الرسل. فيُنسب «الواصل» إلى ذلك النبي بالوراثة، ولكن من حيث شريعة محمد ﷺ المقررة من شرع ذلك النبي، الذي تتجلى له“ انتهى.

ثم يقول في المجلد الحادي عشر: ”فمن كرامة رسول الله محمد ﷺ أن جعل من أمته وأتباعه رسلاً وإن لم يرسلوا. فهم من أهل المقام الذي منه يرسلون وقد كانوا أرسلوا. فاعلم ذلك! ولهذا صلى رسول الله ﷺ ليلة إسرائه بالأنبياء في السماوات لتصح له الإمامة على الجميع“ انتهى.

نفهم من هذا أنّ في هذه الأمة من وصلوا إلى درجة النبوة وهذه كرامة للنبي ﷺ ولهذه الأمة. كذلك نفهم من كلامه عن الوراثة انه يمكن لشخص من الأمة الإسلامية أن يصل إلى مقام نبي من الأنبياء السابقين فيظهر بمظهر هذا النبي. وهذا ما قصده النبي ﷺ عندما وصف المهدي بأنه عيسى بن مريم أو المسيح.

وقد ذكر الشيخ الأكبر محي الدين أيضاً في كتابه الفتوحات المكية كلاماً بهذا المعنى إذ يقول في قصيدة له:

كل من أحيا حقيقته

وشَفَى من علة الحُجُب

فهو عيسى لا يناط به

عندنا، شيء من الريب

فلقد أَعطت سجيته

رتبة تسمو على الرتب

بنعوت القدس تعرفه

في صريح الوحي والكتب

لم ينلها غير وارثه

صفة في سالف الحقب

فسرت في الكون همته

في أعاجيم وفي عرب

فبها تحيا نفوسهم

وبها إزالة النوب

توضح هذه القصيدة: أنَّ الإنسان إذا سمى في روحانيته وإيمانه ووصل إلى درجة عيسى بن مريم يصبح هو نفسه عيسى بن مريم.

ثم يقول بن عربي تحت عنوان «الشريعة المحمدية وعالمية وارثيها»:

"اعلم أيدك الله أنه لما كان شرع محمد ﷺ تضمن جميع الشرائع المتقدمة وأنه ما بقي لها حكم، في هذه الدنيا إلا ما قررته الشريعة المحمدية فبتقريرها ثبتت. فتعبدنا بها نفوسنا من حيث أنّ محمد ﷺ قررها، لا من حيث أنّ النبي المخصوص بها، في وقته قررها.

فلهذا أوتي رسول الله ﷺ «جوامع الكلم» فإذا عمل المحمدي فلا يخلو عمل هذا العامل من هذه الأمة أن يصادف في عمله، فيما يفتح له منه في قلبه وطريقه، ويتحقق به طريقة من طرق نبي من الأنبياء المتقدمين، مما تتضمنه هذه الشريعة... فإذا فتح له في ذلك فأنه ينتسب إلى صاحب تلك الشريعة فيقال عيسوي، أو موسوي، أو إبراهيمي. وذلك لتحقيق ما تميز له من المعارف وظهر له من المقام جملة ما هو تحت حيطة شريعة محمد ﷺ ". انتهى.

يتضح من هذا الكلام أنه قد يحصل فرد من المسلمين مرتبة نبي سابق من الأنبياء فيظهر ذلك الشخص المسلم وكأنه مسلم بصبغة موسوية أو عيسوية أو إبراهيمية. وهذا الكلام يجرنا إلى الحديث عن استمرار النبوة.

ما هي النبوة؟

النبوة منزلة يعينها الله سبحانه وتعالى ويحصل عليها الإنسان بأخلاقه الصالحة وأعماله الحسنة تعرفها القلوب ولا تنكرها العقول وتوافق الأغراض وتزيل الأمراض فإذا وصلوا إلى هذه المنزلة فتلك منزلة الأنباء الإلهية المطاق لكل من حصل في تلك المنزلة من رفيع الدرجات ذي العرش وهى مستمرة إلى يوم القيامة.

يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية المجلد الثاني عشر: ”فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق، وإن كان التشريع قد انقطع فالتشريع جزء من أجزاء النبوة فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وإخباره من العالم، إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً و﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا ويقول له كن. فهذه كلمات الله لا تنقطع، وهي الغذاء العام لجميع الموجودات. فهذا جزء واحد من أجزاء النبوة لا ينفد. فأين أنت من باقي الأجزاء التي لها؟“ انتهى.

ويقول في موضع آخر: ”فما ارتفعت النبوة بالكلية. ولهذا قلنا إنما ارتفعت نبوة التشريع فهذا معنى: «لا نبي بعدي»“.

ويتلوه شاهد منه:

لقد وصف النبي ﷺ الشاهد الآتي من بعده بأنه المهدي الذي خُلُقه كخُلُق النبي ﷺ واسمه اسم النبي ﷺ وقد بينا ذلك من قبل، كذلك وصفه بأنه عيسى بن مريم. وبهذا قد جمع هذا الشاهد صفات عيسى وصفات محمد ﷺ.

يقول ابن عربي في كلامه عن عيسى في المجلد الثاني عشر من الفتوحات المكية: ”وأما ختم الولاية العامة الذي لا يوجد بعده ولي فهو عيسى ، ولقينا جماعة ممن هو على قلب عيسى وغيره من الرسل. بأي صفة يكون ذلك المستحق لذلك؟ الجواب: المستحق لختم الولاية العامة يكون بصفة الأمانة. فبيده مفاتيح الأنفاس وحالة التجريد والحركة وهذا هو نعت عيسى كان يحي بالنفخ وكان من زهاد الرسل وكانت له السياحة وكان حافظاً للأمانة مؤدياً لها ولهذا عادته اليهود“ انتهى.

ويذكرني هذا الكلام بوصف النبي ﷺ للمسيح الآتي في آخر الزمان عندما قال: ”لا يحل لكافر يجد ريحه إلا مات“ فكلام ابن عربي وكلام النبي ﷺ يوضحان ما هي صفة عيسى ومن يقوم مقام عيسى في ختم الولاية العامة وهو ذلك الشاهد الآتي بعد الرسول ﷺ.

ثم يوضح ابن عربي وصفه لذلك الشخص الذي سيكون ختم الولاية المحمدية فيقول: ”وأما الصفة التي استحق بها خاتم الولاية المحمدية أن يكون خاتماً فبتمام مكارم الأخلاق مع الله. وجميع ما حصل للناس من وجهته من الأخلاق“ انتهى.