آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

منابرنا في ليلة الإسراء والمعراج

وديع آل حمّاد

قال الله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.

أجد نفسي في مناسبة إحياء ليلة الإسراء والمعراج أتساءل ترى هل ترتقي منابرنا في إطروحاتها إلى مستوى هذا الحدث الذي يربط بين الأرض والسماء والمتسم بالتفرد والعظمة؟

للإجابة على هذا التساؤل لزاما علي أن أصف الواقع المنبري كما هو في مقاربته لهذا الحدث باللجوء إلى الاستقراء الناقص، حيث الاستقراء التام أمر محال.

يحلو لكثير من خطبائنا في ليلة الإسراء والمعراج القيام بتطواف لاهث بين السماوات السبع لاستعراض مشاهدات رسولنا الأكرم محمد ﷺ في رحلة عروجه.

وهنا أسأل: هل وضع حدث بعظمة الإسراء والمعراج في إطار فكري ضيق ونسق معرفي مغلق قائم على الحكاية والسرد «التطواف السردي» - المفتقر إلى التحقيق والتدقيق والتنقيب والتحليل وفك رموز بعض الأمور ذات المماسة بالحدث، والبعيد عن التحقيق في أصل حدوثه والنآي عن تثوير دلالته - مقاربة ومعالجة تناسب ثقافة العصر وذهنية الأجيال الصاعدة المتأثرة بثورة المعلومات التي لم تجعل المجتمعات البشرية معزولة عن بعضها، إذ بات الإنسان الشرقي يعرف النتاج الغربي والعكس صحيح؟

هل هذا الخطاب المتقولب بنسق السرد التاريخي المغلق قادر على إشباع فضول هؤلاء الشباب المتعطشين للعلم قبل الإيمان، والممتلئة عقولهم بزخم كبير من الإشكاليات والإثارات والتساؤلات؟

هذان التساؤلان يفتحان لي آفاقا لقراءة خطابنا الديني في مقارباته لليلة الإسراء والمعراج، ومن هذه الآفاق أحاول في هذا المقال الإشارة إلى عنصرين مهمين هما:

الأول: مؤشر بوصلة الخطاب الديني:

لا بد أن نعترف بأن مقاربات ومعالجات خطابنا الديني لهذا الحدث منطلقة من بوصلة مؤشرها خاطئ، إذ مؤشر بوصلة خطابنا غالبا يشير إلى الإنسان المؤمن ذي النزعة الإيمانية التسليمية الذي لم تتشوش أفكاره بآراء وهرطقات مستوردة.

وعلى هذا ينبغي على خطابنا الديني ليكون ذا تأثير ناجع وفاعلية أن يعمل على تغيير مؤشر بوصلة خطابه، ويوجه مؤشره نحو الأجيال الجديدة التي تعيش قلقا فكريا وتفاعلا هرطوقيا وانجذابا للمناهج المستوردة وانحيازا لكل فكرة تحمل بذرة التشكيك وتعطشا للعلم قبل الإيمان.

فإصرار كثير ممن يحملون لواء أمانة الخطاب الديني على بقاء مؤشر خطابهم على ما هو عليه في زمن الآباء والأجداد. وبقاء الحال على ما هو عليه يجعل الخطاب الديني غير قادر على مواجهة العواصف الفكربة التشكيكية التي تعصف بمعظم مسلمات المنظومة العقدية والتاريخية، ومنها حادثة الإسراء والمعراج. لذا لا ينبغي على خطابنا تجاهل عقول هؤلاء الشباب وما تحفل به من تشكيكات وإثارات لئلا يكون مساهما في تغذية التيار التشكيكي دون أن يشعر. وخطورة التجاهل يكمن في تغلغل تلك الإشكالات التشكيكية في أعماق نفوس الشباب بحيث يصعب بعد فوات الفوت من اقتلاعها.

الثاني: عدم وقوف الخطاب الديني على المسيرة المعرفية البشرية المتعلقة بالأساطير لربطها بالحدث:

الخطاب الديني الفاعل هو الخطاب الذي لا يقبل أن يعيش العزلة، أو التقولب بقالب مغلق أو نسق واحد لا يحيد عنه. فالخطاب الذي يتسم بهذه السمات يحمل في طياته إمكانية الإحاطة بأي حدث يريد مقاربته من موقع التفاعل والتواصل والانفتاح.

وعلى هذا ينبغي على من يحمل راية الخطاب الديني في مقاربته لهذا الحدث «الإسراء والمعراج» أن يكون محيطا بالمسيرة المعرفية البشرية وعلاقتها بالأساطير وخصوصا التي لها علاقة بالحدث كأساطير بابل المتمثلة في أسطورة أدابا وأسطورة أيتانا. وكتاب الأساطير الفارسية المسمي بمعراج أوتاويراف الكاهن المجوسي الذي يتحدث عن صعود زرداشت إلى السماء.

والأساطير اليهودية المتعلقة بصعود أخنوخ إلى السماء الموجودة في سفر أخنوخ، وغيرها من الأساطير التي تتحدث عن صعود بعض الأشخاص.

فالإحاطة بمثل هذه المسيرة المعرفية تجعلنا نقف على مواطن الشبه والاختلاف بين الرواية الإسلامية للحدث وماورد في موروثات تلك الأمم ولتشكل زادا معرفيا لكل من يقارب الحدث من موقع القارئ المحلل والمدقق لا من موقع السارد غير القادر على دفع التشكيكات والترهات والشبهات التي تحوم حول أصل حدوث الحدث.

حاجتنا إلى زاد معرفة أساطير الأمم الآخرى ليس من باب الترف المعرفي وإنما لنكون قادرين على مواجهة هذا المد التشكيكي الذي ينخر في جسم هذه الأمة والآخذ في النمو والاضطراد.

والتيار التشكيكي الذي يشكك في أصل حدوث الحدث ليس فقط من المستشرقين ككارل بروكلمان وكولين تيرنر، بل هناك من أبناء هذه الأمة كالمفكر المصري يوسف زيدان الذي اعتبر الإسراء والمعراج اختراعا من القصاصين وأنها من الإسرائيليات والتراث الفارسي ولا أساس لها من الدين.

والمفكر السوري محمد شحرور الذي يقول في هذا الصدد: «قصة الإسراء والمعراج التي وردت في أدبياتنا التراثية لا في القرآن، هي نسخة طبق الأصل عن نص يهودي لكن عوضنا عن سيدنا محمد ﷺ هناك أسحاق».

وأختم مقالي بسؤال برسم الجميع: هل بخطاب تقليدي قائم على السرد نستطيع مواجهة موجة التشكيك في أصل حدوث الحدث ونروي به النفوس المتعطشة للمعرفة؟