آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

سبات الغفلة‎

قال تعالى: ﴿.. وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ «الأعراف الآية 205».

لا يدير بالا أو يعطي اهتماما بصحة قلبه ووجدانه، لما يعتريه من أمراض تسلب النجاح والتوفيق منه، بل وتدهمه بخسارة لا تعوض وهي إقباله ليوم الحساب متخففا من الأعمال الصالحة، ويثقل ظهره ما احتطبه من خطايا تمادى في ارتكابها كثيرا، ولم يجد من ضميره الميت وازعا عنها.

وما يمتاز به المرض القلبي هو التخفي واتخاذ طريق السرية، فلا يستشعر المرء بانتشاره واستفحاله واستيلائه على شعوره وكيانه، وهو يسلب منه عافية الورع وصحة الاستقامة، ويأخذه بعيدا في طريق المعاصي وتواليها، ويمتد به العمر فلا تسجل أيامه إلا مزيدا من الانحراف والأخطاء وارتكاب المعايب والقبائح، فسوء العمل والاستمرار في مسلكه لا يجر إلا سوء العاقبة والمنقلب.

المهمة الكبرى المعد لها الإنسان في هذه الدنيا هو عمرانها واستثمار الأوقات فيها بتحقيق أعلى درجات العبودية لله تعالى، والتقرب منه بإتيان الأعمال الحسنة وتجنب السيئات، وتقر في نفسه حقيقة لا ينبغي أن تأخذه مشاغل الدنيا ونعيمها الزائل وهي حتمية الرحيل من الدنيا وضرب أجل مسمى مع الموت وترك الاهل والمال والأحباب، وله لقاء مع الله تعالى يوم تنصب موازين محكمة العدل، وتعرض عليه أعماله التي قدمها في الدنيا من خيرها وشرها، فمن علم بموعد اختبار في دراسته فإن عقله الواعي يدعوه للاستعداد والتأهب لذلك اليوم؛ لئلا يتعثر ويخفق في الإتيان بالدرجات المطلوبة والتي تؤهله للنجاح، أفلا يتفكر في ذلك اليوم الذي لا تخفى فيه خلفية من أعماله؟!!

الاغترار بمباهج الدنيا وزخارفها حتى تغدو الأمل والغاية التي يسعى لتحصيلها ونوالها، هي ما يصرف قلبه وفكره عن الهدف الأسمى المخلوق له، فيتحول من حالة النشاط والجدية في العمل والانطلاق نحو التكامل والتحلي بالفضائل، إلى حالة اللعب واللهو والاستهتار بالقيم الدينية والأخلاقية، فينصرف نحو هدر الأوقات والعكوف على كنز الأموال والاستمتاع طوال وقته بالمتع الدنيوية، غافلا ولاهيا عن مآبه ومستقره الأخروي وما سيواجه فيه من حساب وجزاء، فواحسرتاه على هذا المسكين الذي أضاع عمره وقدم خالي اليدين من أعمال تقربه لله تعالى.

وهذا الغافل عن ذكر الله تعالى لا تجدي معه كل تلك المذكرات من حوله والمنبهات من نومة اللاهين، فلا يسمع سمعا واعيا تلك المواعظ من على المنابر أو يتلقاها من كتاب الله عز وجل، ولا ينعم بفكر تأملي في آيات الله تعالى من حوله تعيد له رشده ويقظته من سباته، ولا ورود الجنائز إلى حفر القبور من أهله وأفراد مجتمعه بالذي يذكره بالمصير المحتوم، بل أعرض عن ذكر الله وارتمى في أحضان خداع النفس وارتضاء العيش السرابي، فإذا داهمه الموت لم يكن في صحيفة أعماله سوى التثاقل عن العبادات والتكاسل عن إقامتها وفق الشرائط المطلوبة، ومعاقرة للخطايا ومداومة على مقارفتها، فقد استصغر المعصية ولم يعدها شيئا فادحا وفعلا محرما يسخط الله عليه، بل تطاولت به السنون وهو مصر على غيه وغفلته عن الحق والعفة والخشية من الله تعالى، مات ضميره ولم يشعر بسوء فعله حتى وافاه الأجل.