ثقافة التضليل
ممارسة التضليل تتطلب مؤهلات، وقدرات ليست متاحة للجميع، فهناك شرائح اجتماعية، تمتلك القدرات اللازمة، لتشكيل رأي عام قائم على الكذب، والتزييف، نظرا لإمساكها بالأدوات المطلوبة، لقلب الحقائق رأسا على عقب، خصوصا وان هذه الشرائح، لا تتحرك بشكل عفوي، بقدر ما ترسم خطا واضحا، للوصول الى الاهداف المرسومة، مما يجعلها تركز على مفاصل محددة، لإحداث تغيير جذري، في القناعات الاجتماعية.
استخدام التضليل، او التلاعب بالمفاهيم الصحيحة، ومحاولة الالتفاف عليها، بواسطة مختلف الطرق، احد العناصر الاساسية، لتخريب البيئة الثقافية السائدة، في بعض المجتمعات، خصوصا وان القوى الراغبة في السيطرة، على الطرف الاخر، لا تتورع عن ابتكار شتى الاساليب، اذ تمثل الدعاية الباطلة، او محاولة الباس الحق بالباطل، ابرز الطرق، ”كلمة حق اريد بها باطل“، فهذه الثقافة انتهجها الخوارج، في تبرير اشهار السيف، في وجه الامام علي ، منذ فتنة التحكيم ومرورا بالمواقف المختلفة، وانتهاء بمعركة النهروان.
تكمن خطورة، هذه النوعية من الثقافية، في الاثر على التركيبة الاجتماعية، حيث تمهد الطريق امام، نشوء تشوهات في الارضيّة، التي تقف عليها، مختلف الفئات البشرية، مما يخلق الظروف المؤاتية، لحدوث شرخ حقيقي في الوحدة والتماسك الداخلي، فالانقسام في يولد اثارا، وامراض كثيرة، مما يؤثر على التوازن الداخلي للمجتمع.
تمثل الماكنة الاعلامية الضخمة، الوسيلة الاكثر قدرة، على ممارسة دور التضليل، فالإعلام قادر على اختراق العقول، والتلاعب بالقناعات، حيث تتحرك وسائل الاعلام، وفقا لأجندة مدروسة سلفا، لإيجاد موطئ قدم في البيئة الاجتماعية، وبسط نفوذها، من خلال استخدام مختلف الاساليب الخادعة، والماكرة لتحقيق غالبية، الاهداف الموضوعة، فكل مرحلة زمنية تتطلب وضع استراتيجية، تتوافق مع المستجدات على الارض، وبالتالي فان الخطاب الزماني، يمثل عنصرا اساسيا في مخاطبة الطرف الاخر، فالمفردات المستخدمة، في المرحلة الزمنية الماضية، تختلف تماما عن المرحلة الراهنة، خصوصا في ظل اختلاف المستويات الثقافية، وكذلك تعدد ادوات التأثير، مما يفرض التحرك السريع، والاستجابة الفائقة، لمتطلبات كل مرحلة زمنية.
القدرة على الاقناع، تمثل ابرز المقومات الاساسية، لدى الاطراف، التي تتخذ من التضليل شعارا دائما، في التحرك الاجتماعي، فالإقناع يتطلب التعرف على نقاط الضعف، لدى الاطراف الاخرى، ومواطن الالتقاء، او المشتركات للانطلاق، منها باتجاه تشكيل قناعات موحدة، بمعنى اخر، فان التضليل يهدف للبحث عن المشتركات، قبل الخوض في الاختلافات، نظرا لقدرة نقاط الالتقاء، في احداث نوع من الاستقطاب.
التضليل بمثابة تنويم مغناطيسي، لشريحة محددة، او بيئة اجتماعية واسعة، فهذه النوعية من الثقافة، تهدف للسيطرة على مفاتيح القضايا، والحيلولة دون بروز منغصات، تعيد الامور للمربع الاول، فنجاح التضليل مرتبط، بنوعية المفردات المستخدمة، حيث يحرص القائمون على بث التضليل، ترديد بعض المصطلحات، والكلمات التي تحاكي المشاعر، وتتناغم مع الاحتياجات اليومية، او المصيرية، اذ من الصعب احداث اختراق حقيقي، لدى الطرف الاخر، دون التعرف على الجروح، التي يكابدها، او العذابات التي يكتوي بنيرانها.
الدراسة الميدانية، لطبيعة اتجاهات البيئة الاجتماعية، تمثل احد الطرق المؤثرة، في بث التضليل، حيث تسعى الاطراف المنفذة للتأثير على الاخرين، للإقدام على مختلف الخطوات الضرورية، لنجاح المساعي في الامساك، بزمام الامور في البيئة الثقافية، ولعل ابرزها انتهاج الاسس القادرة، على لوضع منهجية تعتمد تفكيك، بعض القناعات الراسخة، مما يسهل عملية الاختراق، سواء بوعي، او بدون وعي.