آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثقافة الانتقاد

محمد أحمد التاروتي *

هناك وجه شبه، بين الانتقاد والنصيحة من جانب، واختلاف كبير بين المسلكين، من جانب اخر، فالناصح يتخذ وسيلة الانتقاد، في سبيل الخير، وتقويم الاعوجاج للحيلولة، دون السقوط في الهاوية، حيث يحاول بشتى الوسائل ايصال الانتقاد البناء، بالرغم من الحواجز الكبيرة، التي تعترض طريقه، فيما يحاول الشامت الاصيطاد في الماء العكر، وتسليط الاضواء، على صغائر الامور، ومحاولة تضخيمها، بغرض التسقيط، ونصب الشراك، في طريق الغريم.

ثقافة الانتقاد، ليست سلبية على الاطلاق، لا ايجابية على الدوام، حيث تتحكم الميول الشخصية، والاهداف الخاصة، في تحديد مسار ”الانتقاد“، سلبا او ايجابا، فهناك الكثير من المسارات الخاطئة، يصعب تقويمها بدون وضع المشرط عليها جراحيا، لاسيما وان الاعتماد على المسكنات المؤقتة، تضر اكثر مما تنفع، اذ يمكن تخفف الالام قليلا، ولكنها سرعان ما تعاود الظهور مجددا، بصورة اكثر فضاعة من السابق، الامر الذي يتطلب وضع المشرط على الورم، لازالته بشكل نهائي، انطلاقا من المثل الشائع ”اخر الدواء الكي“.

ممارسة الانتقاد، ليست مقصورة على الطرف الناصح ولكنها مرتبطة كذلك بالطرف المتلقي، فهذه النوعية من الثقافة ليست متاحة في جميع، البيئات الاجتماعية، او الثقافية، خصوصا وان بعض المجتمعات الانسانية، يضيق صدرها من الملاحظات العامة، فما بالك بالانتقادات المباشرة، مما يحول دون ايجاد الارضية المناسبة، لانتهاج مسلك الانتقاد السليم، اذ يعتبر البعض الملاحظات، بمثابة حرب شعواء تقودها اطراف، لا تحمل الخير للطرف الاخر، مما يدفعه لانتهاج اساليب التسفيه، والتنكيل في الطرف المنتقد، الامر الذي ينعكس بصورة سلبية، على البيئة الاجتماعية، ويحول دون القدرة، على احداث قفزات اجتماعية، قادرة على تجاوز الصعاب، وتحقيق الانجازات لمواجهة المستقبل، بما كل يحمله من تقلبات، ومصاعب عديدة.

مساحة الحرية الممنوحة للتعبير، تمثل احد المقومات الاساسية، لتنامي ثقافة الانتقاد في المجتمعات، ”آلة الرئاسة صدر الصدر“، اذ يمثل القمع الاجتماعي، عنصرا لانخفاض منسوب الانتقاد الايجابي، فالخشية من تداعيات ابداء الاراء، تجاه الملفات الثقافية او الاجتماعية، تشكل احد الاسباب وراء تراكم الاخطاء، واطلاق العنان لشرائح معينة، في انتهاج السياسات الخاطئة، نظرا لادراكها بعدم القدرة على مواجهتها، او رفع الصوت في وجهها، لايقاف تلك الممارسات المغلوطة، ”من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها“ و”من استقل وجوه الاراء عرف مواقع الاخطاء“.

عملية تجميل الاخطاء تفاقم الامور، وتزيد من صعوبة تصحيحها في المستقبل، فالاصلاح يتطلب كشف جميع الاوراق، وانتهاج الشفافية والوضوح، دون الاعتماد على الاصوات ”المطبلة“ لكل عمل، ”الاحمق يريد ان ينفعك فيضرك“، فالمجتمعات التي تعتمد على سياسة ”التصفيق“، في مختلف المفاصل الحياتية، لن يرحمها التاريخ على الاطلاق، ”من ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق“، بمعنى فان العقل السليم يحث على اختيار الطريق الصائب، بالرغم من وعورته ومخاطره، فالاهداف الكبيرة تتطلب صبرا وتجلدا كبيرين لتحقيقها - الاهداف -، وبالتالي فان الاعتماد على انصاف العقول، او الحمقى في تحديد المسارات الاستراتيجية، للقضايا الاجتماعية، او الملفات الثقافية، لا يولد سوى الحسرة، والندامة في نهاية المطاف، ”اعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان واعجز منه من ضيع من ظفر به منهم“ و”لسان العاقل وراء قلبه وقلب الاحمق وراء لسانه“.

كاتب صحفي