آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

معراج لذة القرب الإلهي، ح/1

خليل آل حمادة‎

توطئة:

حاجتنا إلى التغذية الروحي:

مهما أكل الإنسان، ومهما شرب، ومهما تلذذ بمتع الدنيا أيامًا؛ فإنّه يشعر بأن شيئًا مهمًا ينقصه في حركته ومسيرته، في هذه الحياة المعدودة أيامها، ذلك أنّ " السعي وراء الطّعام وجلب اللذائذ خاصة مشتركة بين الإنسان والبهائم، أما ما يكون مائزًا للإنسان، وأساسًا لتقدمه فهو الجوانب الروحية التي يمكنه إحرازها، والكمالات العقلية والعاطفية التي يستطيع بلوغها.

قال أبو عبد الله - : «اقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك، واسعَ في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك». [1] 

قيمة التغذية الروحية والبناء الروحي للإنسان وعلى هذا الأساس يمكن القول: «إذا لم تكن قيمة التغذية الروحية أعلى من قيمة التغذية المادية فهي ليست أقل منها. فمن الضروري أن يبذل الاهتمام للغذاء الروحي بنفس النسبة من الاهتمام بالغذاء المادي والذي يرغب في أن يكون سعيداً عليه أن يلتفت إلى سلامة غذائه الروحي كالتفاته إلى سلامة غذائه المادي [وهذا ما يسمى، البناء الروحي العملي للروح] فقد يؤدي وجود ألف فرد منحرف في دولة إلى انهيارها». [2] 

هذا ما ذكره الشيخ «محمد تقي فلسفي» نعم، وهذا ما أكده، كذلك، الشهيد السيد محمد باقر الصدر - قدِّس سره - حول تساؤل وإشكال البعض من أنّ القوى والإدارة العسكرية التي يواجهها الإمام المهدي - صلوات الله وسلامه عليه - سوف تتنامى كلّما أجل الإمام ظهوره؟! فأجاب السيد الشهيد - قدِّس سره - بأن هذا الأمر صحيح فيما يخص هذا التنامي لتلك القوى والأداة العسكرية التي سوف يواجهها.. ولكن السيد الشهيد يعقب، بعد ذلك، بالتأكيد على المطلب الذي نحن بصدده،

قائلًا: «ولكن ماذا ينفع نمو الشكل المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان، الذي يملك كل تلك القوى والأدوات؟

وكم من مرّة في التاريخ إنهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية؛ لأنه كان منهارًا قبل ذلك، وفاقدًا الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلى واقعه». [3] 

ولذلك، وبما تقدّم، يشعر الإنسان المؤمن بأنّه بحاجة إلى تغذية من نوع آخر فوق الحس وفوق المادة، فمن منّا لا يشعرُ بالحاجة إلى هذا البناء وإلى هذا الغذاء الروحي؟!

«اِلهي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسيرَ اِلَيْكَ بِالأوْهامِ في مَسالِكِ الْغُيُوبِ، وَما أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ، فَاَعِذْنا مِنْ طَرْدِكَ وَإِبْعادِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَخَصِّ عارِفيكَ، وَأَصْلَحِ عِبادِكَ، وَأَصْدَقِ طائِعيكَ، وَأَخْلَصِ عُبّادِكَ، يا عَظيمُ يا جَليلُ، يا كَريمُ يا مُنيلُ، بِرَحْمَتِكَ وَمَنِّكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ». [4] 

 

[1]  الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي، ج، 2، ص 145، ط، 4.

[2]  الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي، ص، 209ط، 1دار التعارف 1401 هـ .

[3]  بحث حول المهدي، ص، 83، وهو عبارة عن مقدمة قد كتبها الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر - قدِّس سره - لتلميذه الشهيد السعيد السيد محمد محمد صادق الصدر - قدِّس سره - لموسوعته «موسوعة الإمام المهدي - في أربع مجلدات «1 - 4»

[4]  كما هو الوارد في مناجاة العارفين، لمولانا زين العابدين - صلوات الله وسلامه عليه - كما في الصحيفة السجادية.