ثقافة النور
النور يكشف الحقائق دون تزييف، فالنهار كاشف لجميع العيوب، بخلاف الظلام، الذي يخفي وراؤه الكثير من التشوهات، والوضوح عنصر اساسي، في جميع التعاملات الانسانية، اذ لا يقتصر على العلاقات الاجتماعية، بل يتعدى ذلك لكافة مفردات المعاملات، على اختلافها، مما يفرض على الجميع، كشف جميع الاوراق، لتعزيز الثقة المتبادلة، خصوصا وان المخاوف من الغدر، امر مشروع في جميع الاحوال، الامر الذي يفسر تكرار المقولة المشهورة، ”اكشف اوراقك“.
عملية كسب الطرف الاخر، تتطلب ابداء حسن النية، والتعامل بوضوح تام، دون مواربة، او غش، فالعلاقات التجارية والاخلاقية، وغيرها من المعاملات المختلفة، تتطلب ارساء قواعد ”الصفحة البيضاء“، اذ ليس من السهل ترميم العلاقات الانسانية، بعد تخريبها بممارسات غير متوازنة، فالجرة يصعب ترميمها بعد تحطيمها، وكذلك الامر بالنسبة للعلاقات البشرية، القائمة اساسا على مبدأ ”الثقة“.
كثير من التعاملات البشرية، تفتقد ”النور“، مما يضعها في خانة ”الظلام“، فالمصالح الشخصية، ومحاولة تسجيل نقاط، على الطرف الاخر، مما يشكل ابرز العوامل، لخروج العلاقات الانسانية، من الاطار الصحيح، الامر الذي يفسر المنازعات والخلافات، سواء كانت الشخصية او الاجتماعية، فالعملية مرتبطة باكتشاف احد الاطراف، بعض الدسائس ومحاولة ”الغدر“، مما يدفع الطرف المقابل، للمعاملة بالمثل، او الانسحاب بشرف، دون اثارة مشاكل جانبية.
النور يمثل الحق والصواب، في مختلف المجالات، لذا اتخذ شعارا دائما في التعاطي، مع مختلف التعاملات الاجتماعية، فكما ان النور يخرج الانسان، من دائرة الباطل الى شاطئ الحق، فانه الظلام يدخل المرء، في دائرة الضلال، والابتعاد عن سبيل الرشاد، فالمرء قادر على وضع ميزان دقيق، في التعاملات الانسانية، مما يمثل مدخلا اساسيا، في المسيرة الحياتية.
المبادئ تمثل شمعة دائمة الاشعال، في سبيل انتهاج طريق النور، فالمرء الذي يحمل مبادئ صادقة، بامكانه ترجمتها على ارض الواقع، حيث تمثل الافكار والقناعات السليمة، مرآة عاكسة لمختلف السلوكيات اليومية، وبالتالي فان مقياس التمسك بطريق ”النور“، مرهون بنوعية المبادئ التي يعتنقها، خصوصا وان المبادئ الاخلاقية السليمة، ليست حكرا على شريحة معينة من البشر، فالاخلاق ممارسات تنسجم مع الفطرة السليمة.
القرآن يتحدث عن ”النور“ باعتباره محور اساس، في حياة البشر، لذا فانه يحرص على انقاذ البشرية، من براثن النفس والركون الى الارض ”يخرجهم من الظلمات الى النور“ و”قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ“ و”الله نور السموات والأرض“، فالايات القرآنية تكشف اهمية هذه المفردة، باعتبارها من الحقائق، التي ترشد البشرية، الى الدرب السليم، في الدينا قبل الاخرة".
عملية انتهاج سبيل ”النور“، واجتناب طريق الظلام، ليست صعبة على الاطلاق، خصوصا وان الفطرة السليمة، تدفع باتجاه اتجاه جادة الصواب، ”بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره“، كما العقل غير الملوث، بامكانه التمييز بين ”النور“ والظلام، بيد ان عمى القلب، يمثل احد الاسباب، وراء ترك ”النور“، والركض وراء سراب زائل ”فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا“ و”فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ“.