آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

الحدث الثقافي العربي

يوسف أحمد الحسن * صحيفة اليوم

ربما يمكن اعتبار قانون القراءة الإماراتي أكثر الأحداث الثقافية أهمية في المنطقة خلال العام المنصرم 2016. فالقانون الذي يشرع للقراءة ويقننها في أوقات العمل يعطي للقراءة قيمتها الحقيقية في حياة الإنسان بعيدا عن الرتابة والجمود والمعلومات التي أكل عليها الدهر وشرب. ولم تكتف الإمارات بوضع قانون عام للتشجيع على القراءة بل تجاوزته إلى وضع أطر ولوائح تنفيذية لضمان حصول ذلك في مختلف الدوائر الحكومية وغير الحكومية والمدارس والمعاهد، وذلك كله في مختلف المراحل العمرية، بدءا من الطفولة المبكرة وحتى التقاعد وما بعده. ومن أهم ما ورد في القانون أنه يعطي للموظف الحق في القراءة التخصصية في وقت العمل، وهو ما يهدف إلى ضمان توسيع آفاق اطلاع الموظفين وتطوير قدراتهم المعرفية وصولا إلى تطوير مجالات أعمالهم.

وتنبع أهمية صدور هكذا قانون من أن ترك أمر القراءة للناس كي يقرروه - كما هو الحال الآن في العالم - يحوله إلى أمر مزاجي واختياري للأفراد أو للموظفين ورؤسائهم. لكن القانون الإماراتي الفريد، يعيد تصنيف القراءة في سلم الأولويات اليومية للمواطن، ويضعها في مرتبة متقدمة من المهام وسط الانشغال اليومي بحمى العمل واللهاث وراء لقمة العيش.

وقد ترافق صدور هذا القانون مع برنامج «تحدي القراءة العربي» الذي أطلقته الإمارات أيضا ورصدت له جوائز كبيرة. وعندما نعلم أنه تم أيضا إطلاق استراتيجية للقراءة من عشر سنوات رصد لها مبلغ 100 مليون درهم، فإننا نعلم أن منظومة متكاملة وداعمة للقراءة يتم الآن تأسيسها كأنموذج ناصع لمجتمع المعرفة.

وهكذا فإن صدور هذا القانون يساهم في إعلاء قيمة القراءة في المجتمع، وهي القيمة التي اندثرت أو ضاعت بين قيم أخرى بعضها بلا أهمية. فما أجمله من مشهد عندما يتم تخصيص ساعة في اليوم «مثلا» يتفرغ فيها الموظف للقراءة دون منغصات متزودا بأهم أسلحة العصر وهو العلم الذي يأتي عن طريق القراءة.

وعندما تتم مقارنة هذا القانون بقوانين سلبية لا يزال يعمل بها في دول أخرى تعاقب الموظف الذي يترك عمله منصرفا نحو القراءة، فإن الفارق سيظهر جليا في نتيجة السباق العالمي في ما يسمى اقتصاد المعرفة الذي يعتبر العلم والقراءة أحد أهم أساساته.

إن تكريس الاهتمام بالقراءة يجب أن يكون على رأس أولوية استراتيجية التنمية الثقافية والعلمية في مجتمعاتنا العربية وليس نوعا من الترف أو من الكماليات في حياتنا. ذلك أن القراءة التي كانت في الماضي تعتبر مفتاح المعرفة ومتعة العقل وغذاء الروح، أصبحت أس التقدم في العالم الذي أصبح السباق العلمي والمعرفي السمة البارزة فيه. ولا يمكن تصور أمة متقدمة علميا - وبالتالي سياسيا حتى - دون أن تكون القراءة برنامجا يوميا لمواطنيها. ليس للمتعة والاطلاع لمجرد الاطلاع فحسب، بل من أجل تطوير بيئة العمل وابتكار وسائل خلاقة لإنجاز الأعمال بأسرع وقت وأقل جهد.