آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

الديمقراطية في بلد مسلم

حسن آل جميعان *

فكرة الديمقراطية والتحول إليها عالجها أو ناقشها كثير من المفكرين الإسلاميين بين مؤيد لها ومعارض وبين من يقترح بديل لديمقراطية كالشورى مثلا، لكن محور هذا الكتاب والنقاش كما يقول المحرر والمعد له الدكتور توفيق السيف في مقدمته « هو العلاقة الإشكالية بين الدين والديمقراطية والإمكانات المتوفرة لاستنباط حلول تسمح بتطوير نظام سياسي يجمع بين قيم الدين الحنيف وفضائل الديمقراطية ».

هذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة من المؤلفين والمهتمين بالديمقراطية الدينية حيث يتقاسم الكتاب ستة مفكرين مهمومين بالإصلاح الديني تجمع بين الخلفية الأكاديمية والنشاط في الحقل الاجتماعي والسياسي. أولهم آية الله محمد مجتهد شبستري حول الديمقراطية كحاجة للحياة الدينية، ومن ثم الدكتور محسن كديور وعنوان بحثه الديمقراطية والديمقراطية الدينية: المبادئ الأساسية، ويأتي بعد ذلك الدكتور عبد الكريم سروش بعنوان الديمقراطية الدينية: حاكمية العقل الجمعي وحقوق الإنسان، وفي القسم الرابع من الكتاب الدكتور علي رضا علوي تبار والذي جاء عنوان بحثه من المدينة الفاضلة إلى مدينة الإنسان: الفرضيات الأولية لبحث الديمقراطية الدينية، وجاء خامسا الدكتور علي بايا تحت عنوان في معنى الوصف الديني للديمقراطية، وأخيرا وليس آخرا بحث لمحرر الكتاب ومعده الدكتور توفيق السيف بعنوان جدل فقهي حول الدولة الحديثة، ومن ثم للكاتب نفسه المعالجات التي قدمها الفقهاء المؤيدون للنظام الدستوري.

ويعتقد الكاتب السيف أن التخلف المزمن في العالم الإسلامي هو في المقام الأول نتيجة لتحجر النظام السياسي، الذي من تجسيداته انعدام الإجماع الوطني وتنافر الدولة والمجتمع، وضمور الإرادة العامة، وانعدام الحريات الفردية، وتعطيل المشاركة السياسية، وبالتالي عجز المجتمع عن توليد حلول لمشكلاته.

ويقول الدكتور السيف يمكن للديمقراطية أن تعالج هذا المعضل التاريخي من خلال إعادة توليد الطاقة الشعبية الخلاقة وتوجيهها في المسار الصحيح الذي يقود إلى التقدم الحضاري وحل المشكلات المزمنة. ويضيف مشاركة الشعب في ابتكار الحلول يتوقف على وجود نظام سياسي - اجتماعي يوفر الفرص والإطارات الضرورية كي يعبر الشعب عن ذاته وتطلعاته وإمكاناته. هذا النظام هو بالضرورة نظام ديمقراطي.

وزبدة القول إذن لدى آية الله محمد مجتهد شبستري إن الديمقراطية هي منظومة قيمية تقوم على أرضية التوافق الاجتماعي، فالإرادة العامة للمجتمع هي مصدر شرعيتها ومعياريتها. خلافا لهذا فإن القيم الدينية مستمدة من الإيمان الديني، وهو ليس قائما على توافق بين الناس، بل ثمرة للاتصال بين الفرد وربه. حتى لو قلنا بأن الدين هو تجربة روحية، فإنها أيضا لا تخرج عن ذلك الوصف، ذلك أن التجربة الروحية هي في نهاية المطاف تجربة فردية وليست موضوعا للتوافق.

ويتعلق مفهوم الديمقراطية إذن كما يقول الدكتور محسن كديور بطريقة اتخاذ القرار في المجال العام، وجوهر هذا المفهوم هو الرجوع إلى المجتمع في القرارات التي تؤثر عليه. بكلمة موجزة فإن الديمقراطية هي الحكومة التي تؤمن مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات المتعلقة بهم جميعا، بصورة مباشرة، أو عن طريق ممثليهم.

ويضيف كديور إن النظام السياسي الديمقراطي يقوم على عدد من المبادئ الكبرى هي بمثابة أرضية مفهومية وقيمية تحمل بنيته ومؤسساته أهمها: أصل المساواة وأصل سيادة الشعب وأصل المشاركة والرضا العام وأصل سيادة القانون وحقوق الإنسان.

تتلخص مناقشة الدكتور عبد الكريم سروش إذن في أن الحكومة الدينية، المنبعثة من المجتمع الديني والمعتمدة عليه، قادرة على التحول إلى الديمقراطية - دينية. لكن هذا مشروط بتأمينها لرضا المخلوقين مع رضا الخالق معا، ووفائها لخارج الدين وداخله معا، وعرفانها لحرمة العقل والأخلاق السابقة على الدين، بقدر عرفانها لحرمة العقل والأخلاق المسبوقة بالدين. ومع حفظ التوازن والتعادل بين الاثنين، سنحصل على تلك الكيمياء التي ظنها البشر - بسبب غفلتهم - مستحيلة أو غير مرغوبة.

التحول إلى الديمقراطية لدى الدكتور علي رضا تبار ليس قرارا يتخذ وينفذ بين عشية وضحاها. وهي لا تقوم نتيجة لقرار تصدره الحكومة أو برنامج يضعه أهل السياسة أو الفكر. النظام الديمقراطي هو وضعية اجتماعية - سياسية خاصة تتشكل خلال مسار تحول تدريجي، يتضمن إعادة بناء العلاقات ونظام توزيع القوى داخل النظام السياسي - الاجتماعي على نحو يسمح بممارسة السياسة على أرضية القيم والمعايير الديمقراطية.

يوجه نموذج الديمقراطية الإسلامية بحسب رؤية الدكتور علي بايا المنظور اهتماما فائقا للحقوق الأساسية للإنسان والحريات المدنية، كما يضمن مساحة عمل مناسبة لمنظمات المجتمع المدني كي تلعب دورها الضروري في تيسير العلاقة بين الأفراد من جهة وبين القوى السياسية والاقتصادية من جهة أخرى، وكي تسهم في حماية حريات الأفراد وحقوقهم. كما يفرد اهتماما خاصا بالقيم الإسلامية مثل احترام الأخلاقيات العامة والأعراف المقبولة بين عقلاء العالم، إضافة إلى الرعاية المتبادلة والمسؤولية المشتركة للمواطنين عن بعضهم وعن النظام البيئي الذي يعيشون في إطاره.

يقول الدكتور توفيق السيف إن جوهر المسألة السياسية في العالم الإسلامي المعاصر هو الجمع بين السياسة العقلانية في نظام يضمن حقوق المواطن وكرامته وبين القيم الدينية التي تمثل عماد الهوية الاجتماعية.

وعليه فإن الديمقراطية كما يشير السيف مفيدة لأنها توفر الفرصة للناس العاديين كي يعيشوا بسلام، ويسعوا في الارتقاء بحياتهم في ظل قانون واحد يتعامل معهم كمواطنين أكفاء لبعضهم، متساوين في الحقوق والواجبات. هذا الأمان «وهو التجسيد الأول للحريات الفردية» بحسب تعبير الدكتور السيف، وهو أحد العوامل الحاسمة التي ساعدت على تطور العلوم والفنون في المجتمعات الصناعية ونيلها أسباب القوة.