حوار الأديان قضايا الحرية والمشاركة
أرسلت الأديان رحمة للبشرية وإخراجهم من الجهل إلى نور العلم والمعرفة وتحقيق الكرامة الإنسانية التي شرف الله بها عباده كافة من غير تمييز بين بني البشر، لكن هذه الأديان بسبب الفهم المتعدد والتفسيرات المختلفة من قبل أتباع هذه الأديان والمذاهب أصبحت مصدر من مصادر التشظي والصراع والتنازع على من هو أحق ومن هو باطل، لكن الله أرادها بهذه الكيفية ولو أرادها أمة واحدة ولو شاء الله لكان قادرا على ذلك لكن الله أراد هذه الأديان والأمم مختلفين فيما بينهم. لذلك علينا كأصحاب أديان وفكر إنساني التفكير بشكل جدي للخروج من هذه الصراعات التي لا يستطيع إلا الله وحده حلها، التأسيس للحوار والتلاقي والتقارب والتعايش بين الأديان من الأمور الملحة والضرورية للخروج من الأزمة التي أرهقت الأديان قبل الناس.
من هنا فأن المفكر محمد المحفوظ في كتابه "حوار الأديان وقضايا الحرية والمشاركة" يحاول تقليص الصدع الذي حصل بين الأديان من خلال إضروحاته التي تؤسس للعيش المشترك والتسامح وتقبل الآخر والحوار والتعدد بين البشر والتأسيس لاحترام الاختلاف والتنوع والحرية والعدالة، وحيث يشير الكاتب في مقدمة الكتاب إلى أن هناك ثمة قناعة عميقة ينطلق منها هذا الكتاب وهي أن الانتماءات الدينية المتعددة التي تحياها الإنسانية جمعاء ليست مدعاة للنزاع والحروب والانفصال الشعوري والعلمي بل هي مدعاة للتواصل والتلاقي والحوار لكي يشترك الجميع في بناء عالم أكثر إنسانية وحرية وعدالة.
ويقول أيضا: لا ريب في أن الأديان بما تشكل من منظومة مفاهيمية وقيمية وتراث أخلاقي وروحي وقوة معنوية دافعة نحو الخير والسلام من الروافد الأساسية التي تساهم في ضبط العديد من الخلافات والنزاعات كما أنها من الشروط الجوهرية لدفع جميع الأمم والشعوب صوب قضايا الإلفة والتلاقي والعدالة.
ويشير الكتاب من هنا فإن الحياة الإنسانية العامة لا يمكن أن تستقر على أسس عادلة للعلاقات مع بعضها البعض كأمم ومجتمعات متعددة ثقافيا وحضاريا ودينيا من دون مشاركة جميع الأديان الكبرى التي يعتنقها الإنسان وتؤثر في رؤيته وتصوره لذاته وللآخر في الحوار مع بعضها البعض في نطاق العمل على تظهير القيم الإنسانية والتشاركية والتعايشية لهذه الأديان.
ويؤكد الكاتب على العمل لتحرير الإسلام كثقافة وكمجال حضاري ومعرفي من نزعات الإرهاب والقتل والغلو. وهي نزعات طالت في أعمالها المستنكرة البشرية جمعاء. وفي تقدير الكاتب بمقدار ما يتمكن مجالنا الإسلامي من تحرير الإسلام كثقافة ومجال حضاري من نزعات الإرهاب والتطرف والقتل على الهوية بالمقدار ذاته تتبلور إمكانات المجال الإسلامي لتتبوأ مواقع متقدمة في المشهد الإنساني العالمي.
ويضيف الكاتب حيث يقول: إن حوار الأديان الذي يقترب من شؤون الإنسان وثقافته وخياراته هو الوسيلة المطلوبة لتظهير قيم الأديان الأساسية ولتطوير دور وتأثير هذه القيم في المشهد العالمي.
ويشير الكتاب إلى إن المجال الإسلامي اليوم بحاجة إلى كل الجهود والمبادرات التي تتوجه إلى إرساء دعائم الحوار والتواصل وإنه خيارنا الحضاري الذي يجب أن نتمسك به لعلاج مشكلاتنا وحالات الابتعاد والجفاء بين مدارسنا الفكرية والثقافية.
وفي الختام يدعونا الكاتب جميعا لرفع أصواتنا ضد الإساءات المتبادلة التي تغذي الأحقاد وضد عمليات التحريض التي تصورنا وكأننا أعداء بعضنا البعض. فالاختلافات في الدائرة المذهبية أو القبلية أو المناطقية لا تشرع لأحد إذكاء نار العداوة بين أبناء المجتمع والوطن الواحد.
فالدين كما يقول الكاتب يحتضننا جميعا وإن تعددت مدارسنا الفقهية والوطن يستوعبنا جميعا وإن تعددت قبائلنا وعشائرنا والوطن لنا جميعا وإن كنا في مناطق وجهات مختلفة.