زوجة الزرقاوي وتجفيف منابع الإرهاب
يكاد لا يمر يوم من الأيام في الوقت الراهن إلا ونقرأ فيه أخباراً وتقارير عن أفراد تنظيمات إرهابية، غير أن ما يلفت الانتباه بشدة منها، هو الإصرار الذي يصيب المرأة في هذه التنظيمات عندما تقتنع بفكرة الالتحاق بها، وما كانت قصة «المواطنة» زوجة أبو مصعب الزرقاوي، التي ضجت بها الصحف الأسبوع الماضي، إلا تأكيداً على ذلك.
هذه المرأة كانت معيدة جامعية، وضغطت على أهلها لخلع زوجها، وحصولها على صك إعالة أبنائها منه «ولدين وبنت»، وأصرت على الهرب لتحقق حلمها في الارتباط بفارس الأحلام «السفاح أبو مصعب».
من يقرأ قصة هذه المرأة ويتجوَّل بين سطورها المكتوبة، هو كمن يشاهد فيلماً «هوليودياً» طويلاً. وهنا يتبادر إلى الذهن: كيف استطاع هذا الفكر التغلغل في أذهان أبنائنا وبناتنا في فترة الثمانينيات من القرن المنصرم؟ وكيف كانت الجامعات السعودية تضج بأشرطة تيار التشدد، وقد عرفت تلك المرحلة بحرب «الكاسيت» وكثير منها يحمل فكراً تحريضياً وتكفيريا، والمعيدات اللواتي لا يتحدثن إلا عن عذاب القبر، وفضائل الموت؟ تلك السنوات التي نعيدها كشريط سينمائي، كان الصراع فيها يشتد بين تيارات مختلفة، حتى وصل الأمر إلى أعضاء في هيئات تدريس بعض الجامعات، الذين يجبرون طلابهم، بطريقة مباشرة أو غيرها، على الانتماء لتيار التشدد، والانخراط في التجمعات الشبابية التي أصبحت بديلة عن النشاط الطلابي، حيث استطاع التيار المتشدد حينها إيقاف المسرح والنشاطات الثقافية، وحولها إلى منابر دعوية، متستراً بعباءة الدين.
وما تم نشره الأيام الماضية حول المناقشة المسربة للرسالة المسحوبة من الدكتور سعيد السريحي في جامعة أم القرى، وكيف تحوَّل أعضاء اللجنة العلمية والأكاديمية إلى محققين وباحثين عن النيات، وساخرين من قامة يشهد لها العالم العربي اليوم بجمال عطائها - دون شهادتهم المسحوبة -، إلا دليل على أن هذا التيار سعى بشتى الطرق، مشروعة وغير مشروعة، إلى إقصاء المختلفين معه. وما كان إعادة الشهادة، إلا إعادة اعتبار لتيار تم اتهامه بالخيانة ذات يوم، لنكتشف بعد مرور ما يزيد على 30 عاماً بأنه التيار الذي يخاف على مصلحة الوطن ووحدة الأرض.
أكررها مرة أخرى، نحن اليوم على مفترق طريق، وما قام به وزير التعليم الأسبوع قبل الماضي بوضع ضوابط لمعلمي التربية الإسلامية وعدم تدخلهم في خصوصيات الطالب وعدم الخروج عن المنهج المقرر من قبل الوزارة، ما هو إلا بداية في طريق طويل نحتاج فيه إلى إزالة غبار سني «التشدد» التي علقت في ذاكرة أبنائنا الذين تحوّلوا حينها إلى مجاهدين في أفغانستان، وإرهابيين داخل الوطن، محاولين انتزاع أرواح مَنْ يختلفون معهم.
وقد وجد هؤلاء المحرضون المندسون في وسط مجتمعنا بفكرهم الذي تشبعوا به على مدار السنين، في تفكك بعض الأنظمة العربية «العراق وسوريا، وتبعتهما ليبيا واليمن» أرضاً خصبة لبث أفكارهم، والتسلل عبر قنوات الفتنة إلى عقول شبابنا وصعود بعضهم المنابر، وها نحن نحصد أرواحهم في توابيت تصلنا كل يوم، وأمهات يشعرن بالألم جراء ما حدث لأبنائهن المغرر بهم.
أشعل هؤلاء المحرِّضون والداعون إلى التكفير نار الفتنة بين المسلمين وأظهروا صورة أساءت جداً للإسلام، عبر بث مقاطع «اليوتيوب» والأفلام «الهوليودية» التي أنتجت على يد مخرجين متميزين في فن الصورة، لبث الرعب على مستوى العالم بما يقومون به من أفعال يدّعون أنها من الإسلام، والإسلام براء من أفعالهم.
وهنا تجدر الإشادة بالدور الذي قامت به وزارة الداخلية السعودية مؤخراً في متابعة منابت هذا الفكر وإيقاف المحرضين، وعرضهم على القضاء وتعريتهم عبر البرامج التليفزيونية، مما ساهم في الحد من انتشار هذا الفكر.
لكننا بحاجة إلى تفعيل جهود كل الجهات المسؤولة، ومنها التعليمية ذات الأهمية الكبيرة، إذ يتطلب منها تشديد المراقبة على المنتمين لهذا الفكر في كافة المراحل الدراسية، حيث ما زال بعض المعلمين يمارسون الوصاية على التلاميذ الصغار ببث الترهيب الذي خلت المناهج التعليمية منه، في نفوسهم.