حي الشرية.. قلب صفوى النابض يروي حكايات الماء والتراث ودفء الجوار القديم

يقف حي الشرية العريق، في قلب مدينة صفوى، شاهداً حياً على تاريخ طويل من البساطة والأصالة، حيث لا تزال أزقته الضيقة تحتفظ بصدى ضحكات الأطفال وهم يمارسون الألعاب الشعبية، وتحمل جدرانه عبق ذكريات الماضي الجميل الذي نسجته المهن التراثية وروح الألفة المجتمعية.
وأكد المؤرخ عبد رب الرسول الغريافي أن حي الشرية يمتلك جذوراً تاريخية عميقة، موضحاً أن تسميته مشتقة من ”الشريعة“، وهو المجرى المائي الذي كان يروي بساتين صفوى الغنّاء قبل أن يجد طريقه إلى البحر.
وأشار الغريافي، خلال حديثه لبرنامج ”MBC في أسبوع“، إلى أن نشأة المدينة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بهذا المجرى المائي، الذي تفرعت منه ينابيع وعيون ماء دعمت قيام ثلاث عشرة قرية مجاورة، كان من أبرزها ”عين داروش“ الشهيرة، والتي يُقدّر عمرها بأكثر من 7500 عام، ورغم جفافها في زمن لاحق، فإن أثرها وبصمتها التاريخية لا تزال ماثلة وشامخة.
وأضاف الغريافي أن الحي كان مركزاً حيوياً لمئات الحرف والصناعات التقليدية، لافتاً إلى أنه تم توثيق ما يزيد عن أربعمئة حرفة يدوية في فترة السبعينيات من القرن الماضي وحدها.
وتنوعت هذه الحرف بين ما هو مرتبط بالبحر وموارده، كصيد الأسماك وصناعة شباك الصيد، وما يتعلق بالزراعة والمياه، مثل أساليب الري وحفر الآبار، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية الدقيقة التي اشتهرت بها المنطقة، ومنها صناعة الرماح الخطية، التي ذاع صيتها في الجزيرة العربية وخلّدها ذكر الشاعر عنترة بن شداد في أشعاره، وكذلك السيوف الردينية المنسوبة إلى المنطقة.
ومن جانبها، استعادت السيدة أميرة ال قريش ”أم محمد التركي“، التي أمضت أكثر من ستين عاماً من عمرها بين جنبات هذا الحي، ذكريات الحياة الاجتماعية والعادات القديمة التي كانت سائدة.
وأكدت أن روح التعاون والتكافل كانت هي السمة الأبرز بين الجيران.
وأوضحت كيف كان الأهالي يتقاسمون ما لديهم من خيرات في نسيج اجتماعي متين عنوانه العطاء والمؤازرة.
ووصفت ال قريش ”عين داروش“ بأنها لم تكن مجرد مصدر للمياه، بل كانت بمثابة ملتقى يومي حيوي للنساء والأطفال، حيث كانت تُستخدم مياهها العذبة للشرب والطهي وغسل الملابس، بينما كان الأطفال، خصوصاً الأولاد، يجدون فيها متنفساً للسباحة واللعب، قبل أن تجف مياهها مع مرور الزمن، لتظل العين حاضرة في ذاكرة الحي كرمز للحياة التي كانت ونبع للوفاء للماضي العريق.