هل يسبب الملح الاكتئاب؟ دراسة تكشف عن رابط محتمل عبر بروتين التهابي رئيسي

سلطت دراسة علمية جديدة الضوء على وجود ارتباط محتمل ومثير للقلق بين استهلاك كميات كبيرة من الملح في النظام الغذائي وتطور أعراض سلوكية تشبه الاكتئاب، وذلك بناءً على نتائج تجارب مفصلة أُجريت على الفئران.
وأشارت النتائج، المنشورة في إحدى مجلات علم المناعة المرموقة، إلى أن هذه التأثيرات قد تكون مدفوعة بزيادة في إنتاج بروتين التهابي يعرف بالسيتوكين ”إنترلوكين -17 أ“ ”IL-17A“، والذي تم ربطه سابقاً بالالتهابات وأعراض الاكتئاب لدى البشر.
واعتمدت التجربة على تقسيم الفئران إلى مجموعتين رئيسيتين، حيث تلقت المجموعة الأولى نظامًا غذائيًا قياسيًا، بينما خضعت المجموعة الثانية لنظام غذائي يتميز بارتفاع محتواه من الملح لفترة زمنية تراوحت بين خمسة إلى ثمانية أسابيع.
وخلال هذه الفترة، قام الباحثون بتحليل دقيق لسلوكيات الفئران باستخدام نماذج علمية راسخة مصممة خصيصًا لدراسة أعراض الاكتئاب في القوارض.
وأظهرت الملاحظات أن الفئران التي استهلكت كميات مرتفعة من الملح بدأت تظهر عليها سلوكيات تتوافق بشكل كبير مع مؤشرات الاكتئاب المعروفة في هذه النماذج.
وبالتوازي مع التغيرات السلوكية، كشفت التحاليل المخبرية عن ارتفاع ملحوظ ومستمر في مستويات السيتوكين IL-17A في كل من الطحال والدماغ لدى مجموعة الفئران التي تناولت الملح بكميات كبيرة.
وتعمق البحث لتحديد الخلية المسؤولة عن هذه الزيادة، حيث تمكن الباحثون من تحديد نوع معين من الخلايا المناعية، وهي خلايا ”غاما دلتا تي“ ”γδT“، كمصدر أساسي ورئيسي لهذه الزيادة في إنتاج البروتين الالتهابي IL-17A استجابةً للحمية عالية الملح.
وللتأكد بشكل قاطع من أن IL-17A هو العامل المحرك وراء هذه التغيرات السلوكية المرصودة، أجرى الفريق البحثي تجربة إضافية حاسمة. استخدموا فيها فئرانًا معدلة وراثيًا تفتقر إلى عامل النسخ الجيني المسمى ”RORγt“، وهو عامل ضروري وحيوي لعملية إنتاج السيتوكين IL-17A.
وعندما تم إخضاع هذه الفئران المعدلة لنفس النظام الغذائي الغني بالملح، لم تظهر عليها الأعراض السلوكية الشبيهة بالاكتئاب، مما قدم دليلاً قويًا يدعم الفرضية القائلة بأن IL-17A يلعب دورًا محوريًا في التأثير السلبي الذي يحدثه الملح الزائد على الحالة النفسية والمزاجية في هذا النموذج الحيواني.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة قد أُجريت بالكامل على الفئران، إلا أن الباحثين القائمين عليها يعتقدون أن نتائجها تحمل دلالات هامة قد تنطبق على البشر. فهم يرون أنها تؤكد على الأهمية المحتملة للحد من استهلاك الملح في النظام الغذائي اليومي كجزء من استراتيجية شاملة للحفاظ على الصحة النفسية.
علاوة على ذلك، قد تفتح هذه الاكتشافات الباب أمام مسارات بحثية جديدة لتطوير علاجات مبتكرة للاكتئاب تستهدف بشكل مباشر تثبيط السيتوكين IL-17A أو التحكم في نشاط خلايا γδT المنتجة له.
ومع ذلك، يؤكد الخبراء والمتخصصون في مجال الصحة النفسية والعقلية على أن الاكتئاب يظل حالة صحية معقدة للغاية تتداخل في مسبباتها عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية وبيئية متعددة.
ولهذا السبب، شددوا على الحاجة الماسة لإجراء المزيد من الدراسات السريرية المصممة بعناية على البشر للتحقق من مدى صحة هذه النتائج في السياق البشري، وتحديد ما إذا كان تقليل استهلاك الملح يمكن أن يؤثر بشكل ملموس وإيجابي على الصحة النفسية والمزاج لدى الأفراد قبل تبني أي توصيات علاجية أو وقائية عامة بهذا الخصوص.