آخر تحديث: 6 / 4 / 2025م - 8:27 ص

عيد الفطر… محطة فرح واستمرار في الخير

عبد الله أحمد آل نوح *

يحلّ عيد الفطر على المسلمين بعد شهرٍ حافل بالصيام والقيام، ليشكّل تتويجًا روحيًا وسلوكيًا لمسارٍ من التهذيب الذاتي والصفاء القلبي. إنه ليس مجرد مناسبة للفرح أو مظاهر الاحتفال، بل لحظة عميقة يُفترض أن نتوقف عندها قليلًا لنسأل أنفسنا: ماذا بعد رمضان؟ وهل سنحافظ على ما زرعناه من خير، أم نتركه يذبل بانقضاء الشهر؟

رمضان لم يكن موسمًا عابرًا للعبادة، بل ورشة صيانة للروح، ومنطلقًا لمراجعة الذات والعادات. في لياليه الطويلة، أعدنا اكتشاف أنفسنا، واقتربنا من الله بقلوب أكثر خشوعًا، ومددنا أيدينا إلى الآخرين بعطاء أصدق. والآن، يأتي العيد إعلانًا للفرح بهذا الإنجاز، لكنه أيضًا مقياس للاستمرارية. فليس العيد نهاية، بل بداية جديدة، يجب أن نخرج منها بعزيمةٍ على ألّا نعود إلى الوراء.

في رمضان، تعلّمنا أننا نستطيع أن نكون أفضل. غلبنا شهواتنا، وأعدنا ترتيب أولوياتنا، وأحسنا الظن بالناس، وفتحنا نوافذ الخير في بيوتنا وقلوبنا. وهذا يعني أن النفس قابلة للتهذيب، وأن التقوى ليست حلمًا بعيدًا بل سلوكًا ممكنًا. ومن هنا، فإن أول تحدٍّ بعد رمضان هو الحفاظ على هذا المكسب، وألّا نفرّط فيه مع أول صباح من العيد.

الاحتفال بالعيد لا يتناقض مع الروحانية، بل هو امتداد لها. إنه توازن جميل بين العبادة والفرح، بين الجدية في الالتزام والبهجة بالحياة. والفرحة الحقيقية فيه لا تختزل في المظاهر، بل في طمأنينة القلب الذي يشعر أنه اقترب خطوة من الله. كما أن زكاة الفطرة، التي تُخرج قبل صلاة العيد، تذكّرنا بأن الفرح لا يكتمل إلا بمشاركة الفقير والمحتاج، وأن العيد لا يخص فردًا، بل يشمل المجتمع كله.

وما يجعل العيد أكثر عمقًا، هو أن نخرجه من خانة التكرار الموسمي إلى خانة الانطلاقة الواعية. أن نبقي أبواب الخير مفتوحة، لا أن نغلقها مع آخر ساعة من رمضان. وأن نستمر في إصلاح ما استطعنا إصلاحه من أنفسنا وسلوكنا، وأن نجدد نيتنا كل صباح لنكون نسخةً أفضل مما كنا عليه بالأمس.

فالعيد الحقيقي لا تصنعه الثياب الجديدة أو الموائد العامرة، بل تصنعه النية الطيبة، والعزم الصادق على مواصلة الخير، والتصالح مع النفس والناس. هو ليس لحظة نحتفل بها ثم نطويها، بل محطة نرتكز عليها لنواصل الطريق بنفسٍ أقوى وروحٍ أكثر صفاء.

وهكذا، يصبح عيد الفطر فرصة لاختبار الاستمرارية، وامتحانًا لقدرتنا على أن نكون ربّانيين لا رمضانيين فقط. أن نحيا بالإيمان لا موسميًا، بل دائمًا. وأن يكون رمضان فاتحةً لحياة جديدة، لا صفحة تُطوى. فإن من دلائل القبول أن يُتبع العمل بعمل، كما قال الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد: 17].

وقال سبحانه وتعالى

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا [التوبة: 124].

وبالجملة، فكل من نصب نفسه لعملٍ صالح، قاصرًا كان أم متعديًا، عليه أن يتدبر هذه القاعدة كثيرًا؛ فإنها بلسمٌ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم. ويوشك المؤمن أن ينسى كل ما واجهه من تعبٍ ونَصَب، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتبات الجنة.

جعلنا الله وإياكم، ووالدينا ووالديكم، وذريتنا وذرياتكم، من أهلها، ومن المتقين

وكل عام وأنتم بخير، أعاده الله عليكم بالخير واليُمن والبركات، وتقبّل الله طاعاتكم، وجعل العيد فاتحة خيرٍ وبركة على قلوبكم وبيوتكم.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال