آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 10:36 م

بالصور.. الدكتور المعتوق في مجلس السني: التفكير المنقذ“ درع لمواجهة فوضى المعلومات

جهات الإخبارية تصوير: مالك سهوي - جزيرة تاروت

4 خطوات لـ ”التفكير المنقذ“ يطرحها الدكتور المعتوق في مجلس السني بتاروت

12 استشارياً وآراء متضاربة: المعتوق يكشف تحديات ”الارتجال العلمي“ في الطب

من الحرب العالمية إلى الطب: أمثلة يقدمها المعتوق لأهمية التفكير المنهجي

المعتوق محذراً: الارتجال العلمي يفتقر للمنهجية وقابلية النقل والتعليم

أكد الدكتور محمد المعتوق على الأهمية الحاسمة لتبني منهجيات تفكير منظمة ونقدية في ظل تدفق المعلومات الهائل الذي يميز العصر الحالي.

جاء ذلك خلال ندوة بعنوان ”التفكير المنقذ في عصر المعلومات“، أدار حوارها عبدالرؤوف أبو زيد، في مجلس المهندس عبدالشهيد السني وإخوانه الرمضاني بتاروت.

وأوضح الدكتور المعتوق أن الدافع وراء اهتمامه بهذا الموضوع ينبع من ملاحظات عميقة حول كيفية تعامل الأفراد، بمن فيهم المتخصصون، مع المعلومات واتخاذ القرارات.

واستشهد بقصة شهيرة من الحرب العالمية الأولى تتعلق بتحليل بيانات الجنود الأمريكيين، حيث كشف إحصائي بارز كيف يمكن تبرير نتائج متناقضة تمامًا بناءً على نفس البيانات، مما يبرز ميل الإنسان لتبرير الأمور بعد معرفة النتيجة، وهو ما أطلق عليه لاحقًا ”كل شيء يكون واضحًا عندما تُعطى الجواب“.

وأشار إلى أن هذا النمط يتكرر في مجالات عدة، مثل تحليلات الأسواق الاقتصادية التي تفسر التقلبات بعد حدوثها بدلًا من التنبؤ بها.

وانطلاقًا من تجربته الأكاديمية وتأثره بأحد أساتذته في كندا قبل نحو ثلاثين عامًا، شدد الدكتور المعتوق على أن مهارات التفكير المنهجي ليست حكرًا على مجال دون آخر، بل هي ضرورية للجميع، مستغربًا التساؤل حول علاقة الأطباء بها، مؤكدًا أنه إذا لم يكن الأطباء بحاجة ماسة لها، فمن ذا الذي يحتاجها إذن.

واستهل المعتوق حديثه بتسليط الضوء على ظاهرة بشرية شائعة وهي ”التبرير اللاحق“، مستشهدًا بدراسة شهيرة أجريت على بيانات ضخمة لجنود الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الأولى.

وكشف كيف أن إحصائيًا بارزًا أظهر للجنرالات أنه يمكن بسهولة تبرير نتائج متناقضة تمامًا ”سواء تفوق أهل القرى أو أهل المدن في الكفاءة القتالية“ بمجرد إعطائهم النتيجة مسبقًا.

وربط ذلك بكتاب ”كل شيء يكون واضحًا عندما تُعطى الجواب“ لمؤلفه دنكان واتس، مشيرًا إلى أن هذا النمط من التبرير بعد وقوع الحدث يتكرر بوضوح في تحليلات الأسواق المالية، حيث يبرر المحللون الهبوط والارتفاع بعد حدوثه، دون قدرة حقيقية على التنبؤ المسبق.

وضرب مثالًا واقعيًا بلقاء جمعه باثني عشر استشاريًا متخصصًا في مرض السكري، حيث أدى طرح حالة طبية افتراضية واحدة إلى ظهور اثني عشر رأيًا مختلفًا على الأقل، مما يعكس غياب المنهجية الموحدة ويسلط الضوء على ما أسماه ”الارتجال العلمي“، الذي قد لا يكون خاطئًا بالضرورة، لكنه يفتقر إلى القابلية للنقل والتعليم والمراجعة.

ولمعالجة هذا القصور، عرض الدكتور المعتوق إطارًا عمليًا للتفكير يتألف من مراحل متسلسلة، تبدأ بـ ”التفكير الشمولي الحصري“ الذي يهدف إلى الإحاطة بجميع جوانب المشكلة دون إغفال أي معلومة قد تكون حاسمة.

واستشهد بأمثلة قرآنية وتاريخية، مثل قصة تدريع الطائرات البريطانية في الحرب العالمية الثانية التي كشفت أهمية التركيز على المعلومات الغائبة ”الطائرات التي لم تعد“ وليس فقط الحاضرة، بالإضافة إلى حالة طبية شخصية تم فيها اكتشاف خطأ في صرف الدواء كمسبب لمشكلة المريض.

وتناول الدكتور المعتوق المرحلة الثانية وهي ”التفكير الهيكلي“، الذي يعمل على تنظيم المعلومات وتصنيفها في قوالب محددة لتسهيل التعامل معها، مشبهًا ذلك بتصنيف الإمام علي للناس، أو ترتيب السلع في المتاجر، وتقسيم الأطباء لأسباب ارتفاع الحرارة المحتملة إلى فئات ”التهاب، ورم، دواء، مفاصل...“ لتضييق نطاق البحث.

وأوضح أن هذه الهيكلة تمهد الطريق للمرحلة الثالثة والأكثر أهمية، وهي ”التفكير التحليلي“، الذي يُعنى بالمفاضلة بين الخيارات المختلفة داخل كل قالب مصنف، مما يمكن من الوصول إلى تشخيص أو قرار دقيق بدلًا من الاعتماد على العموميات.

ونبه مازحًا إلى أن الاكتفاء بالعوامل المشتركة أو الوراثية لا يكفي للتشخيص الدقيق في الطب.

وأكد الدكتور المعتوق أن المرحلة الرابعة تتمثل في الربط المنهجي بين هذه الخطوات للوصول إلى القرار الصحيح، معتبرًا أن المراحل الثلاث الأولى تمثل ”علم“ التفكير، بينما الرابعة هي ”فن“ الممارسة المبني على هذا العلم.

وأوضح أن هذه المنهجية تتيح المراجعة والتصحيح، فإذا كانت النتيجة خاطئة، يمكن تتبع الخطوات السابقة لتحديد موضع الخلل.

وشدد على أن هذا الأسلوب ليس قاصرًا على الطب، بل يُستخدم في المؤسسات الكبرى، ويجب أن يطبق في حياتنا الشخصية للتحقق من صحة الادعاءات والمعلومات المتداولة.

وحذر من الانحياز للمنتصر أو الوقوع ضحية التدليس كما في مثال جهاز قياس السكر المضلل أو الادعاءات حول علاجات غير مثبتة علميًا في الخارج غالبًا ما يكون دافعها ماديًا بحتًا.

وحذر من الانسياق وراء المعلومات المضللة أو المغلوطة التي تهدف إلى تحقيق مكاسب مادية أو ترويج علاجات غير مثبتة علميًا، مستشهدًا بمثال جهاز قياس السكر الذي تم التلاعب به لإعطاء انطباع خاطئ عن تأثير الفاكهة على سكر الدم.

وتطرق الدكتور المعتوق أيضًا إلى أهمية ”التفكير الإبداعي“ أو ”خارج الصندوق“، مستشهدًا بقصة المهندسين المصريين الذين استخدموا توربينات المياه بطريقة مبتكرة لهدم خط بارليف عام 1973.

وناقش ”التفكير المنظومي“ وأهميته في توقع العواقب غير المباشرة للقرارات، مستعرضًا المثال الشهير لبرنامج المكافآت مقابل قتل الأفاعي في الهند مع بداية فترة الراج البريطاني، والذي أدى لزيادة أعدادها بدلًا من تقليلها بسبب قيام السكان بتربيتها للحصول على المكافأة ثم إطلاقها بعد إلغاء البرنامج..

وفي ختام محاضرته، أوضح الدكتور المعتوق أنه لم يتطرق لجميع جوانب التفكير مثل الاستقرائي والاستنباطي، لكنه ركز على المنهجيات العملية.

وقدم تعريفًا للعلم التجريبي بأنه ”ما يمكن دحضه“، مشابهًا لمبدأ ”غير مذنب“ بدلًا من ”بريء“ في القانون، للدلالة على أن النتائج العلمية قابلة للمراجعة والتغيير.

وفرّق بين العلوم ”الصلبة“ ”كالفيزياء والكيمياء“ التي تتسم بأحادية السببية وقابلية التكرار الدقيق، والعلوم ”الرخوة“ أو ”الهشة“ ”كعلم النفس والاجتماع والاقتصاد“ التي تتسم بتعدد الأسباب وتغير النتائج بتغير الظروف، مشيرًا إلى أن الطب يقع في منطقة قد تميل للعلوم متعددة السببية نظرًا لتعقيد وتفرد الكائن الحي.

وفي تعقيبه، عبر راعي مجلس السني الرمضاني المهندس عبدالشهيد السني عن عميق شكره للدكتور المعتوق على محاضرته الثرية وأسلوبه المبسط.

وأشار إلى أن اهتمام الدكتور المعتوق بموضوع التفكير قد وصله عبر جلسات سابقة، وكان ذلك هو الدافع لدعوته ومشاركة الحضور هذه الرؤى القيمة التي تتجاوز حدود التخصص الطبي.

واختتم الأمسية بتجديد الشكر للحضور على تفاعلهم، متمنيًا استمرار مثل هذه اللقاءات المعرفية في المستقبل.