آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 5:45 م

اضطرابات النوم في عصر المحفزات المستمرة

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

في ليالي رمضان الأخيرة، حين تمتلئ المساجد بالمصلين، والأسواق بالمتسوقين ويستعد الناس للعيد والسفر لربما، يبدو العالم وكأنه يستعد للحظة خلوة وتأمل، لكنها لحظة لم تعد ممكنة للكثيرين.

النوم الذي كان يومًا ما راحةً للعقل والجسد، أصبح شيئًا مراوغًا، نطارده فلا يأتي، أو يأتي خفيفًا متقطعًا، كأنه ضيف غير مرحب به.

رمضان، بطبيعته، يغير إيقاع الحياة. السهر للعبادة، الإفطار المتأخر، القهوة بعد التراويح، كلها عوامل تجعل النوم عملية معقدة. لكن ما يزيد الأمر سوءًا هو أننا، حتى في هذا الشهر الذي يفترض أن يكون شهر التأمل والتوازن، غرقنا في عالم لا يعرف الهدوء. نحن نعيش في زمن المحفزات المستمرة، حيث لا توجد لحظة حقيقية من الصمت الذهني.

أصبح الهاتف أول ما نلمسه عند الاستيقاظ، وآخر ما تراه أعيننا قبل النوم. نتحقق من الرسائل في منتصف الليل، نقرأ الأخبار ونحن في السرير، نفتح منصات التواصل لنرى ماذا حدث في العالم، كأن العالم لن يستمر دوننا. والنتيجة؟ عقول مرهقة، أجساد متعبة، ونوم لم يعد يشبه النوم.

اضطرابات النوم لم تعد مشكلة فردية، بل أزمة جماعية. التكنولوجيا سرقت منا القدرة على الانفصال عن العالم، وأصبحنا نعيش في حالة استنفار دائم، حتى ونحن نحاول النوم.

إشعارات، مكالمات، مقاطع فيديو، تحليلات سياسية، إعلانات متتالية، كلها تسرق منا السكينة المطلوبة للراحة الذهنية.

في هذا الشهر الفضيل، حيث نتحدث كثيرًا عن التوازن وضبط النفس، ربما علينا أن نعيد التفكير في علاقتنا مع النوم. كيف يمكن لنا أن نجعل النوم جزءًا من عباداتنا؟ كيف نحوله من ضرورة بيولوجية إلى طقس روحي يساعدنا على صفاء الذهن؟

ربما الحل يكمن في استعادة البساطة، وأن نختار أوقات لإغلاق هواتفنا، وسمحنا لأنفسنا بلحظة هدوء حقيقية. لا شاشات، لا أخبار، لا محادثات افتراضية. فقط لحظة نسمع فيها صوت أفكارنا، وندع النوم يأتي كما كان يأتي في الماضي، دون أن نطارده.

إن كانت هذه الأيام الأخيرة من رمضان هي فرصة للتأمل والبحث عن السلام الداخلي، فلعلنا نبدأ بأبسط الأمور: أن نمنح أنفسنا الحق في نوم هادئ، بعيدًا عن فوضى العالم.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي