آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 5:45 م

عيدكم مبارك

إبراهيم آل عبيدي

عزيزي القارئ الكريم، أريد منك أن ترافقني في هذه الرحلة القصيرة بفكرك العميق وبقلبك العطوف وأود منك تكرماً لا أمراً أن تستعمل هذين الجانبين، العقل والقلب، معاً وأنت تسير معي خلال هذه الرحلة القصيرة وأود أن تقرأ وتتمعن فيما تقرأ. فهيا بنا نبدأ المشوار:

• كم يوماً مضى من الشهر الكريم؟

• وكم يوماً بقي منه؟!

الآن لو أغمضت عينيك وأخذت نَفَساً عميقاً جداً واسترخيت وذهبت بفكرك في رحلةٍ فكريةٍ عميقةٍ منذ أن بدأ الشهر الكريم لحد هذه اللحظات،

• كيف كانت تلك الأيام بالنسبة لك؟!

• هل كانت سريعة أم بطيئة؟!

• هل شعرت بمرور تلك الأيام أم أنها مرت عليك وكأنها غمضة عين؟!

• ما الذي كنت تتمنى أو تنوي تحقيقه خلال هذا الشهر الفضيل، الذي هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام وساعاته أفضل الساعات؟!

• كيف كانت علاقتك بنفسك من الناحية الفكرية والجسدية والروحية؟

• كيف كانت علاقاتك بالآخرين، كل الآخرين الذين تعاملت معهم سواءً كنت تعرفهم أم لا؟ وبالخصوص أبويك وأهلك وأرحامك. الأقربون أولى بالمعروف.

الزمن يسير والوقت لا يتوقف والعمر يمضي ونحن في غفلة ولا نشعر بالسنين. تدبر معي عزيزي في هذه الآية الكريمة:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ [البقرة: آية 259].

كل دقيقة، بل كل ثانية تمر علينا هي من أعمارنا ونحن محاسبون عليها وكل شيء مكتوب في ميزان أعمالنا. يقول تعالى:

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا «13» اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا «14» [الإسراء: آية 13,14] [الإسراء: 13 - 14].

«وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: آية 49].

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: آية 7,8].

الجوانب التي نحتاج الاعتناء بها في حياتنا كثيرة ومتعددة ولكني أريد هنا عزيزي القارئ أن أركز معك على جانب واحد مهم، ألا هو:

العلاقات مع الآخرين وبالذات جانب العفو والصفح والتسامح. فمجتمعنا مليء بسوء الفهم والخلافات بين الكثير جداً من أفراده وهذه العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك تعد هي الوقت الأنسب لإزالة سوء الفهم وتذويب تلك الخلافات. إن العفو هو مفتاح الخير والبركة ليس للمعفو عنه فحسب بل للعافي بالدرجة الأولى. ولنتمعن هنا في قوله تعالى:

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: آية 40]

وقد روي عن النبي الأكرم ﷺ حول هذه الآية أنه قال:

”إذا كان يوم القيامة نادى مناد «من كان أجره على الله فليدخل الجنة»، فيقال: من ذا الذي أجره على الله، فيقال: «العافون عن الناس» يدخلون الجنة بغير حساب“

فهل هناك جائزة يحصل عليها الإنسان أكبر وأثمن من دخول الجنة بغير حساب.

وروي عن أمير المؤمنين علي : ”العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، فاعفوا يعزّكم الله“

فلنجعل هذا العيد عيدان:

• عيد نحتفل فيه بأدائنا لواجب الصوم وشكر الله على توفيقنا لصيامه وإتمامه ونحن في خير وعافية

• وعيد العفو والرحمة فيما بيننا لندخل الجنة إن شاء الله بغير حساب

وأختم موضوعي هذا بما روي عن أمير البيان :

”أيها الناس إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه بيوم قيامتكم“.

جعلني الله وإياكم من المشمولين بالبشرى في قوله تعالى:

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: آية 17,18]