آخر تحديث: 31 / 3 / 2025م - 11:28 م

غرس قيم التطوع في الأبناء أداة لبناء جيل مسؤول ومجتمع متعاون

سامي آل مرزوق *

غرس قيم التطوع في الأبناء تعتبر من أهم الركائز التربوية التي تساهم في تشكيل شخصياتهم وتزويدهم بالعديد من القيم الإنسانية والمجتمعية، فهو يُعد وسيلة فعالة لبناء جيل قادر على العطاء والمشاركة في تطوير المجتمع بشتى جوانبه، كونه يعزز الشعور بالمسؤولية والاهتمام بالآخرين.

وقد ورد في القرآن الكريم ما يبين أهمية العمل الصالح، حيث قَالَ جل وعلا في محكم كتابه الحكيم ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ [فصلت: آية 46]، مما يعكس أهمية الأعمال الخيرية والتطوعية التي تفيد الفرد والمجتمع. كما ورد في الحديث الشريف عن النبي محمد ﷺ ”أفضل الناس أنفعهم للناس“، وهذا تأكيد على أهمية النفع العام والعمل من أجل الآخرين.

فقد أكد الإمام علي بن أبي طالب على أهمية العمل الصالح بقوله - في كتاب نهج البلاغة - ”من لا يعمل خيرًا لا يجد لذته في الحياة“، مما يوضح أهمية السعي للخير والقيام بالأعمال التي تفيد المجتمع.

من جهة أخرى، يرى علماء النفس والاجتماع أن التطوع يعزز من مهارات الأطفال الشخصية والاجتماعية. يقول علم النفس الأمريكي إريك إريكسون في كتابه ”الطفولة والمجتمع“ عام 1950 م ”التطوع يساعد الأطفال على بناء شخصياتهم من خلال التعامل مع الآخرين وتطوير شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع“.

كما أشار إميل دوركايم، في كتابه ”قواعد المنهج السوسيولوجي“ عام 1895 م عالم الاجتماع الفرنسي، إلى أن ”المشاركة في الأنشطة الاجتماعية تعزز من الانتماء الاجتماعي وتساعد على بناء روابط اجتماعية قوية بين أفراد المجتمع“.

يتضح مما ذكر أن التطوع ليس مجرد عمل خيري، بل هو عبارة عن دور إنساني واجتماعي له أبعاد تربوية وعقلية، لذا يجب على الأسرة أن تكون المحفز الأول في غرس هذه القيمة في الأبناء، مما يساعد على بناء مجتمع متعاون ومترابط.

وهنا نطرح تساؤل؟ كيف يمكن للأسرة تساهم وتساعد أبناءها للانخراط في الأعمال التطوعية؟

يمكن للأسرة تشجيع الأبناء على المشاركة في الأعمال التطوعية من خلال إعطائهم المكافآت المعنوية مثل الثناء والمدح على الجهود المبذولة. هذا التشجيع يساعد الأبناء على فهم قيمة العمل التطوعي ويحفزهم على الاستمرار في القيام به.

كما يمكن للأسرة أن تخصص وقتاً معيناَ من الأسبوع أو الشهر لممارسة الأنشطة التطوعية كعائلة، على سبيل المثال، يمكن أن يقوم جميع أفراد الأسرة بزيارة المستشفيات أو دور الأيتام والمسنين لتقديم المساعدة والدعم العاطفي والاجتماعي من تقديم الهدايا لهم والتحدث إليهم أو تنظيم فعاليات صغيرة ألعاب أو الحرف اليدوية، أو جمع التبرعات للأعمال الخيرية مثل الملابس القديمة، الطعام، الكتب للأسر المحتاجة، أو المساعدة في تنظيف الأماكن العامة كالحدائق والشواطئ والأحياء المحلية وهي من مساهمة رائعة في تحسين البيئة، أو المساعدة في دروس تقوية الأشقاء هذا النوع من الأنشطة يعزز من الشعور بالانتماء ويقوي الروابط الأسرية أو توزيع الطعام على المحتاجين للدعم كالوجبات الساخنة، أو المساعدة في جمع الزجاجات أو العلب البلاستيكية لإعادة التدوير والكثير الكثير من الأعمال التي أن تساعد وتساهم في بناء روابط مجتمعية.

في دراسة قام بها فريق الباحثين في جامعة هارفارد عام 2010 م أكدت أن الأطفال الذين شاركوا في الأنشطة التطوعية منذ الصغر أصبحوا أكثر تعاطفًا مع الآخرين وأكثر استعدادًا لتقديم المساعدة عند الحاجة.

كما أشار ديفيد كيرسي وهو باحث في مجال التطوع وعلم النفس الاجتماعي في بحثه عن دور التطوع في تنمية القيم الإنسانية إلى أن ”الأنشطة التطوعية تساهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، وتعمل على بناء علاقة صحية بين الأفراد والمجتمع، مما يعزز التعاون والتعاطف بين جميع فئات المجتمع“.

”قيمة العطاء“

كثيرا ما نستمع لمثل هذه الكلمات والتي تعكس روح التضامن الاجتماعي والمساعدة والدعم للآخرين سواء أكانت مساعدة مالية أو معنوية أو اجتماعية بنية طيبة دون التفكير في العوائد الشخصية مما ينتج شعوراً بالرضا والسلام الداخلي الذاتي كونه يساهم بشكل فعال في تحسين حياة الآخرين وبناء روابط مجتمعية قوية بين أفراد المجتمع مما يزيد التفاهم والمودة بين الجميع. ولكون الأسرة الكون الأساسي في بناء المجتمع يقع على عاتقها زرع هذه القيمة في الأبناء منذ سن مبكرة، سواء كان ذلك من خلال التبرعات المالية أو التبرع بالوقت لتعليم الأبناء فالعطاء كما ذكرنا ليس مقتصرًا على المال فقط، بل يمكن أن يكون من خلال تقديم الوقت والجهد، للتعزيز من مفهوم التطوع.

وهنا تأتي الأسرة ودور الوالدين كلاعب أساسي في توجيه أبنائهم كعامل مهم حيث لا يمكن أن يتم ذلك إلا بتوجيه ودعم منهم، للأبناء للقيام بالأنشطة التطوعية المناسبة لأعمارهم واهتماماتهم وميولهم. فعلى سبيل المثال، قد يكون الأبناء الصغار مهتمين بالمشاركة في أنشطة ترفيهية للأطفال، أو الفعاليات البيئية، بينما قد يفضل المراهقون الانخراط في مساعدة كبار السن أو المشاركة في أنشطة تعليمية. وعلى الرغم من أهمية غرس قيمة التطوع في الأبناء، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه الأسرة في تحقيق هذا الهدف، مثل انشغال الأبناء في أعمالهم، مما يجعل من الصعب تخصيص وقت للأنشطة التطوعية مع الأبناء. أو قد يكون لقلة الوعي حيث قد لا يدرك البعض أهمية التطوع في تشكيل شخصية الأبناء، وبالتالي قد لا يوجهونهم إلى الأنشطة التطوعية، أو قد يواجه الأبناء مؤثرات خارجية كضغوط من أصدقائهم أو وسائل الإعلام التي قد لا تشجع على التطوع أو التركيز على المال والنجاح الشخصي.

إن غرس قيمة التطوع في الأبناء هو استثمار طويل المدى يعود على الأفراد والمجتمع بالعديد من الفوائد. من خلال الأسرة يمكن للأبناء أن يتعلموا أن العطاء لا يتطلب مالًا، بل وقتًا وجهدًا حقيقيًا يُسهم في تحسين حياة الآخرين. إذا ما قامت الأسرة بتوجيه الأبناء وتعليمهم أهمية التطوع، سيكون ذلك بمثابة أساس قوي لبناء جيل قادر على تحمل المسؤولية والمساهمة الفاعلة في تطوير مجتمعاتهم، كما تمكنهم من بناء شبكة اجتماعية واسعة يلتقون بأشخاص من مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية والاجتماعية، هذه التجارب الاجتماعية الثرية توسع آفاقهم وتعزز قدرتهم على التعامل مع التنوع، بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هذه الأنشطة التطوعية وسيلة لبناء صداقات جديدة وتكوين روابط عاطفية قوية مع الآخرين. وهنا نرى أن التطوع ليس فقط وسيلة للقيام بأعمال خيرية فقط بل هو وسيلة وأداة تعليمية تساهم في بناء جيل قويٍ وواعٍ ومؤثر في مجتمعه.