الأدب الساخر.. عالم الظرافة والطرافة
الأدب العربي يغص بالظرافة والطرافة، ومن أبرز رموزه الجاحظ، الذي أبدع في معالجة القضايا الاجتماعية بسخرية لاذعة وروح مرحة، كما في كتابه البخلاء. هذا الكتاب يعالج المفارقات الحياتية بفكاهة، مما يجعل الأدب الساخر أسلوبًا يحفظ القيم الأدبية ويروح عن النفس.
قصة هند بنت النعمان مع الحجاج وعبد الملك بن مروان
تعد قصة هند بنت النعمان من الطرائف البارزة التي تعكس قوة الشخصية والذكاء. تزوجت هند من الحجاج بن يوسف الثقفي، لكنها لم تكن راضية عنه. دخل عليها بومًا دون أن تشعر وهي تقول:
“وما هند إلا مهرة عربية
سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فلله درها
وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل. ”
غضب الحجاج وطلقها برسالة قال فيها:“كنتِ فبنتِ. ”فردت هند:
“كنا فما حمدنا، وبنّا فما ندمنا. ”
بعد طلاقها، خطبها عبد الملك بن مروان. وافقت بشرط أن يقود الحجاج هودجها إلى قصر عبد الملك. نفذ الحجاج الأمر، وأثناء الطريق، رمت هند دينارًا وقالت فقدنا درهمًا. ”انحنى الحجاج وقال ما وجدت إلا دينارا ردت ساخرة:“الحمد لله الذي أبدلنا بدل الدرهم دينارًا. ”
نوادر دعبل الخزاعي
كان دعبل الخزاعي شاعرًا ساخرًا لا يسلم منه أحد. من نوادره قصته مع ديكه الذي سرقه جاره صالح بن عبد القيس وضيوفه. بعد أن أنكر صالح ذلك، نظم دعبل أبياتًا تهكمية قال فيها يوم الجمعة بعد الصلاة
“أسرَّ المؤذن صالحٌ وضيوفه
أسر الكميَّ هفا خلال الماقط
بعثوا عليه بنيهم وبناتهم
من بين ناتفةٍ وآخر سامط
يتنازعون كأنهم قد أسروا
خاقانًا أو هزموا كتائب ناعط. ”
غضب والد صالح وصاح:“ضاقت المآكل إلا ديك دعبل؟ ”اذهب إلى بغداد واشتري كل الديكة لإرضائه واشترى صالح سبعين ديكًا كتعويض.
هجاء الخلفاء
هجا دعبل المعتصم في بداية خلافته قائلاً:
“ملوك بني العباس في الكتب سبعة
ولم تأتنا عن ثامنهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة
كرامًا إذا عُدّوا وثامنهم الكلب. ”
وكان له قول فلسفي يلخص سخريته من الواقع:
“ما أكثر الناس، لا بل ما أقلهم
الله يعلم أني لم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثيرٍ، ولكن لا أرى أحدا. ”
الأدب الساخر: رسالة ممتعة
الأدب الساخر ليس مجرد تسلية، بل هو مرآة تعكس مفارقات الحياة، بأسلوب نقدي يبقى في الذاكرة، وهو فن يعبر عن الذكاء في معالجة القضايا بروح الفكاهة والطرافة.