آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:08 م

النص الشعري.. وآفاق تجديده

محمد الحرز * صحيفة اليوم

النص الشعري وآفاقه التجديدية في الخليج الذي ارتبط اسمه بمجموعة من الأسماء وعلى رأسهم قاسم حداد في البحرين وتاليا الثبيتي والصيخان وجيل التسعينات الذين انحازوا لكتابة القصيدة الحديثة ”قصيدة النثر“ في السعودية، وزاهر وسماء عيسى وسيف الرحبي وعبدالله حبيب في سلطنة عمان وأحمد راشد ثاني وعبدالعزيز جاسم وإبراهيم الملا وآخرين في الإمارات، كانت آفاقه التجديدية إذا ما نظرنا إليه عن بُعد تنمو بعيدا عن حراك ثقافي أدبي يعكس بصورة منطقية ما ينجز على مستوى النص من تطور في الثيمات والتقنيات والأساليب وكأن النص ينجز على يد شاعره ضمن عوالم تتصل بالدرجة الأولى بالتأثير العربي سواء على المستوى الأدبي أو الفكري أو حتى السياسي.

وهذا التأثير لا يُلغي بالطبع ارتباط النص الشعري في الخليج بالبيئة التي ولد فيها وارتبط بها من العمق وبتضاريسها حسب كل شاعر وتجربته في الحياة. لكن الوضع الخليجي في عقد السبعينات والثمانيات ومطالع التسعينات كانت الممارسة الإبداعية في جانبها التحديثي لم تكن تملك رافعة ولا محفزات للتمدد في محيطها الاجتماعي والثقافي والإعلامي، قد يختلف الوضع من شاعر إلى آخر ومن بلد آلى آخر. لكن بالنهاية كان الشاعر مشغولا بنصه ويطوره لأنه غير معنى بالمرة إذا كان صوته الشعري يصل إلى الآخرين أو أنه لا يصل.

في السعودية بعد النصف الأول من عقد التسعينات تغير الوضع من زاوية الحراك الثقافي والأدبي من جهة ومن جهة أخرى من تراكم إبداعي فتح آفاقا جديدة في الكتابة الشعرية عند الشعراء. وليس أدل على ذلك الإصدارات الشعرية للشعراء السعوديين «أحمد الملآ وإبراهيم الحسين وغسان الخنيزي ويوسف المحيميد وأحمد كتوعة» التي توالت من دار الجديد في بيروت وكان أغلب الشعراء العرب تلقوا هذه التجربة بإعجاب وقد كتب عنها الكثير في القدس العربي اللندنية على سبيل المثال. وأتذكر أن الشاعر الكبير أمجد ناصر الذي التقيته في بيروت في التسعينات على هامش مؤتمر القوميين العرب وكان يغطي المؤتمر، وكنت ألتقيه لأول مرة وحين عرفته بأني شاعر من السعودية ظل يسألني عن شعراء دار الجديد بإعجاب وقد احتفى بتجاربهم في القدس العربي.

لو تأملت الآن المشهد الشعري في السعودية بعد الألفية الثانية ونظرت إليه من زاوية التطور والتحولات وتراكم التجربة والخبرة الجمالية والتواصل مع الجيل السابق أجد من الأمور الأكثر مأزقا هو أن الأكثرية من الجيل الحالي يعود إلى كتابة النص الكلاسيكي ويسمي هذه العودة ضمن مصطلح القصيدة العامودية المطورة أو الحديثة. وكأن ثمة انقطاع عن فكرة التأثير المتبادل بين جيل وآخر، وكأن الذاكرة الشعرية لم يعد يستدعيها شعراء الجيل الحالي بسبب عوامل كثيرة، لا محل هنا لذكرها والتفصيل في سماتها. لكن الحديث دائما يدور حول ثقافة التلقي ضمن آليات السوشل ميديا وتأثيراتها على الكتابة وفهم الشعر أو الإبداع بشكل عام.

لكن من جانب آخر هناك بالمقابل أصوات شعرية من الجيل الحالي ذهب بالنص الشعري الجديد إلى تخوم المغامرة في الكتابة بوعي مسبق، يل بعضهم جاء إلى النص بمرجعيات ثقافية حديثة كالسينما والتشكيل والمسرح، والسبب الذي أدى بهؤلاء لمثل هذه المغامرة والإيمان بالنص كمغامرة هو نفس السبب الذي أوهم الذين كتبوا النص العامودي باعتباره تجديدا، إلا وهو تداعيات ثقافة السوشل ميديا. طبعا لو تطرقنا إلى بعض الأسماء فنحن بحاجة إلى الكثير من المقاربات التي تبرر وضعهم في هذه الجهة أو تلك، وهنا ليس مجاله تماما.